الأولى

«جيش لحد» سوري!

| بيروت – محمد عبيد 

أثار الغزو التركي لبعض المناطق الحدودية السورية جملة من التساؤلات حول المعطيات السياسية الإقليمية والدولية التي دفعت بالرئيس التركي أردوغان وأركان نظامه إلى التجرؤ على القيام بهذه الخطوة.
ولعل أبرز هذه المعطيات عدم صحة التقديرات الأميركية خاصة والغربية عموماً لردود فعل أردوغان نفسه على الانقلاب الفاشل ضد نظامه، وبالأخص فيما يعني احتمال تورط أجهزة عسكرية أو استخبارية أميركية في هذا الانقلاب إضافة إلى التجاهل المتعمد الذي أبدته الدوائر السياسية في واشنطن وسعيها لاحقاً لتبرير التريث في إعلان الدعم له ولنظامه. هذا التبرير الذي قد يصح وصفه بالمثل القائل «وكاد المُريب أن يقول خذوني».
غير أن أسوا التقديرات هو ما تردد في بعض كواليس الإدارة الأميركية عن أن الإجراءات البوليسية والاعتقالات السريعة التي قام بها نظام أردوغان إثر الانقلاب سيؤدي إلى إضعاف القوة العسكرية التركية على الحدود مع سورية، انطلاقاً من أن هذه الإجراءات والاعتقالات قد طاولت الجنرال المسؤول عن حماية الحدود وقيادة الحملة العسكرية ضد «حزب العمال الكردستاني» وكذلك القائد التركي لقاعدة «أنجريليك» الأطلسية المنصة الرئيسية لإطلاق الهجمات الجوية الأميركية المفترضة ضد تنظيم «داعش» في سورية والعراق.
يبدو مما تقدم أن دوائر القرار الإستخباري والسياسي الأميركي كانت غافلة فعلاً عن الوقائع السياسية الداخلية التركية، وهي مازالت كذلك بعدما فوجئت وأُربكت نتيجة الغزو التركي لبعض المناطق السورية بهدف ضرب وإبعاد ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية» التي أوجدتها ودربتها وجهزتها وسهّلت تمددها السريع الولايات المتحدة الأميركية على الحدود التركية.
في المقابل، يتعاطى المحور الآخر (سورية، إيران، روسيا) مع الغزو التركي بحذر شديد انطلاقاً من أسباب عدة، أهمها: أولاً، إن هذا الغزو بدأ إثر غزل سياسي تركي- روسي وتركي- إيراني تَبِعَ موقفي موسكو وطهران من محاولة الانقلاب الفاشلة ما أوحى لدى الرأي العام بأنه عملية منسقة مع العاصمتين تهدف إلى التأكيد على التزام أنقرة وسعيها لتثبيت وحدة الأراضي السورية ومنع أي محاولات انفصالية. ثانياً، عدم التنسيق العلني أو السري أو غير المباشر مع القيادة السورية العسكرية أو الأمنية قبل العملية أو خلالها تماشياً مع التلميحات والتصريحات والرسائل التركية التي تراجعت عن استهداف النظام في سورية أو شخص رئيسه والتي أوحت بالميل للعودة إلى سياسة «صفر مشاكل» مع الجيران. ثالثاً وهو الأخطر، محاولة استبدال قوى انفصالية بأخرى عميلة كالتي تسمى «الجيش السوري الحر» مهمتها خدمة المحتل التركي وحراسة حدوده وتنفيذ أوامره حتى ولو كانت على حساب السيادة الوطنية. رابعاً، حاجة أردوغان الداخلية لنقل المعركة بمواجهة عدو خارجي بهدف صرف الأنظار الدولية عن إجراءاته واعتقالاته ما يستوجب مراقبته عن كثب نتيجة الخوف من توسع تورطاته التي قد تقوده إلى اندفاعات جنونية كتصريحاته الأخيرة حول العودة إلى طرح فكرة قبول واشنطن وموسكو بالحظر الجوي فوق المنطقة التي «حررها» جيشه!
يسعى أردوغان إلى حجز مقعد لنظامه على طاولة التسويات الإقليمية من البوابة السورية عبر التقرب من الطرفين الأساسيين الفاعلين والحليفين للدولة السورية بعدما يئس من إمكانية تحقيق ذلك عبر حلفائه التقليديين، وأيضاً من خلال فرض أمر واقع يستنسخ فيه التجربة الإسرائيلية في جنوب لبنان بإنشاء جيب تحكمه حالة عميلة شبيهة بما كان يسمى «جيش لحد»!
قد تبدو الخطوة ناجحة مرحلياً لكن من المؤكد أنها ستتحول إلى عبءٍ يستوجب التخلص منه عندما يحين الوقت لذلك، باعتبار أن الدولة السورية تتعامل مع أي فصيل ولو كان سوري التركيبة والاسم والعنوان وفقاً لارتباطاته وولاءاته الخارجية ما يبقيه دائماً وأبداً في خانة العميل للمحتل الذي لا مكان له على طاولة الحوار السوري- السوري المفترض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن