عملية «درع الفرات» الأردوغانية
| صياح عزام
إن عملية احتلال جرابلس التي أطلق عليها أردوغان عملية «درع الفرات»، تم التحضير لها خلال عدة أيام، وقد بدأت بقصف مكثف للمدينة خلال الساعات الأولى من يوم الأربعاء الواقع في 24/8/2016 «إذ رصدت خلال الساعات الأولى 224 ضربة على أكثر من 63 هدفاً في المدينة بمشاركة طائرات التحالف الدولي»، ما سمح لما يسمى «الجيش الحر» بالدخول إليها من دون مقاومة، لأن مسلحي داعش غادروها قبل بداية العملية. وكان من اللافت للنظر أنها تزامنت مع زيارة «بايدن» نائب الرئيس الأميركي لأنقرة.
بداية، تجدر الإشارة إلى أن اختيار يوم 24 آب لغزوة جرابلس، ليس مصادفة، ولا يُبرئ الأتراك من نياتهم المبيتة لسورية، فهو يصادف الذكرى الـ500 لمعركة مرج دابق بين المماليك والعثمانيين عام 1516 التي نقلت سورية من سلطة المماليك إلى سلطة احتلال عثماني دام 400 سنة، بل يدل على إعادة إحياء المشروع التركي التوسعي القائم بالأساس على ضم حلب السورية والموصل العراقية إلى تركيا الـ«نيوعثمانية» وبالتالي فالتاريخ يعيد نفسه.
وهكذا، فغزوة جرابلس، هدفها المعلن، هو منع إقامة كيان كردي محاذ للحدود التركية، إلا أن هدفها الأساسي هو السيطرة على حلب عن طريق تنفيذ مشروع أردوغان التوسعي في سورية، فهو لا يزال يحن إلى إحياء تاريخ أجداده العثمانيين باقتطاع جزء من الشمال السوري، معتمداً في ذلك على تنظيم داعش الإرهابي الذي يدعي أنه يحاربه. والأدلة على علاقته بداعش واستغلاله مع ميليشيات أخرى مثل حركة «الزنكي» متعددة، منها:
– إن داعش سلم جرابلس للميليشيات التركمانية من دون مقاومة، وما سمتهم تركيا «ألوية الجيش الحر»، هم مجموعات تركمانية لها أهداف انفصالية.
– أكدت معلومات استخبارية عربية وأجنبية أن داعش أخلى جرابلس قبل بدء تحرك الدبابات التركية، ولم يحصل أي اشتباك بين الطرفين، ولم يسقط أي قتيل منهما خلال 48 ساعة من بدء العملية، فهل هذا معقول؟! وإذا لم يكن الأمر كذلك فكيف يفسر قتال داعش الشرس في تدمر والأنبار والفلوجة وتسليمه جرابلس من دون قتال؟
هذا سؤال كبير وجدير بالتوقف عنده، ولماذا لم يقصف الطيران التركي مسلحي داعش عند انسحابهم إلى الباب؟
– إن ثمانين بالمئة من إرهابيي داعش في جرابلس لم يغادروا المدينة، وإنما نقلوا البندقية من كتف إلى كتف، وتحولوا من تبعيتهم لداعش إلى الجيش الحر، بناء على طلب مشغلهم التركي بضرورة تغيير الرايات واللباس فقط، هذا ما أكدته مصادر مطلعة وتناقلته صحف عربية.
– المسلحون الذين نقلتهم الدبابات التركية إلى سورية، هم من قاتلوا الجيش السوري جنوب غرب حلب وأريافها الشمالية، وبالتالي فهدف أردوغان ليس محاربة داعش.
لقد بات واضحاً أن احتلال جرابلس من تركيا تم بالتنسيق التام مع واشنطن وتنظيم داعش الإرهابي، وهو فصل من فصول الحروب على سورية وعلى محور المقاومة، لمنع الجيش السوري من تحقيق نصر عسكري كامل في حلب، خاصة أن أردوغان استغل تحسين علاقاته مع روسيا خشية رد فعلها على عدوان كهذا، كما استغل تأزم علاقته مع واشنطن، معتبراً أنها ستسكت عن ذلك كجائزة ترضية له بعد موقفها من الانقلاب الأخير عليه.
على ضوء ما تقدم، فإن الوجود التركي في شمال سورية قد يتجسد على أرض الواقع إما من خلال المنطقة الآمنة في شمال سورية بحكم الأمر الواقع، وإما من خلال إمكانية التوسع التركي في المنطقة الممتدة بين جرابلس وأعزاز، وصولاً إلى الباب، ما يُحصن المنطقة الفاصلة بين عين العرب وعفرين إلى حد كبير حسب التصور التركي.
خلاصة القول أن أردوغان لا يريد محاربة داعش والإرهاب كما يزعم، بل استبدل الإرهاب بإرهاب آخر.