الرأي العام السوري
| د. بسام أبو عبد الله
كثير من المحللين عندما يناقشون الشأن السوري يتجاوزون عاملاً مهماً، وأساسياً دخل في الحساب، والتقييم، وهو الرأي العام السوري الذي لم يعد هامشياً بل أساسي، وجوهري في الشأنين الداخلي، والخارجي.
ولأن معايير قياس اتجاهات الرأي العام، ومزاجه، ورغباته تحتاج إلى أدوات علمية، ومراكز متخصصة تُعنى به، وتقدمه لأصحاب القرار كي تكون مرشداً، وملهماً لهم في صناعة القرارات المهمة، والمصيرية على مختلف الصعد، فإن غياب هذه المراكز العلمية في سورية (وهو أمر غريب) يجعل إمكانية الغوص في أعماق هذا الرأي العام، ورغباته وحالته المعنوية، والنفسية أمراً بالغ الصعوبة، وخاصة أن أدوات استنباط، وأخذ ردود الفعل ما تزال مرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي، وبأدوات غير علمية لا تعكس أحياناً النبض الحقيقي للناس.
حتى في الحالات التي يحتاج الرأي العام للعمل عليه، وصناعته فأنت بحاجة لمؤشرات علمية له كي تتمكن من إعادة توجيهه وفقاً لرؤية الدولة، وبما يحقق مصالح الناس في النهاية، وهنا كثيراً ما يجري النقاش داخل بيوتنا، وفي جلساتنا بعضنا مع بعضٍ في قضايا أصبحت مصيرية وأساسية، ترتبط بنظرتنا للمحيط القريب، والبعيد، وحتى لقضايانا الداخلية كالفساد، وسوء الأداء الخدمي، وكيفية إدارة الأزمة، وغيرها الكثير.
إن الرأي العام يحتاج لصناعة، ولعمل إعلامي، ثقافي، سياسي، منظم، ومبرمج كي توجهه في حالات تعرضه لهجمات شرسة وتضليلية، ونفسية كالتي يتعرض لها الشعب السوري، والتي تحاول القول له إنه لا حل سياسياً في سورية إلا عبر الكانتونات، والإمارات، والتقسيم (وهذا مشروع أميركي- صهيوني- غربي) يريد إيهامنا أن التقسيم هو الحل، وأن الفدرلة حلٌ آخر، وأن دستوراً سورياً جديداً يجب أن يُكتب في الخارج، وغيره الكثير من القضايا المصيرية المهمة!!!
هنا دعوني أطرح مجموعة من القضايا والمسائل التي يطرحها الرأي العام السوري، ويجري النقاش بشأنها بشكل دائم من دون وجود مؤشر علمي يعكس النبض العام، واتجاهات الرأي العام لمعرفة الطريقة التي سنتعاطى بها معه سواء أكان الاتجاه سلبياً، أم إيجابياً نحو هذه القضية:
1- موضوع العروبة- والانتماء للأمة العربية، والحديث الدائم عن العرب، والدول العربية، وفي هذه المسألة ترصد لدى الرأي العام السوري سلبية كبيرة تجاه الحديث عن العرب، إذ يقول السوريون ماذا فعل لنا العرب خلال محنتنا، غير التآمر على سورية، وتمويل الإرهاب والقتل، والتدمير!!! ماذا فعلوا لنا في لحظة عصيبة، ومصيرية من تاريخنا- الحقيقية لا شيء!! بل كانوا قذرين بكل معنى الكلمة!! ويسأل السوريون دائماً عن أي عرب تتحدثون إذا كانت سورية احتضنت الجميع، وقدمت لهم الحضن الدافئ الأخوي حينما أصابتهم النوائب (الكويت- السودان- لبنان- فلسطين- العراق… الخ) ومع ذلك لم يَرَ السوريون سوى التآمر، وتمويل الإجرام والحقد… وعلى الرغم من أن الصورة ليست كذلك بالمطلق فهناك دول عربية اتخذت مواقف مهمة مثل (نصف لبنان، نصف العراق، الجزائر، عُمان)، ومع كل ذلك فإن السوريين يكفرون بالعرب، والعروبة، وهو أمر بحاجة للدراسة، والاستطلاع، والعمل عليه!!!
2- موضوع التطرف الديني- والمذهبي: أعتقد أن أغلبية السوريين ترفض التطرف بكل أشكاله، ولذلك يحاربونه، ويدفعون الدم، والشهداء، والضحايا من أجل منع انتشاره، واجتثاثه من هذا المجتمع المتسامح تاريخياً، ولا يمكن تحت لافتة التسامح ترك هذا التمدد الديني- المتطرف الممول سعودياً، وقطرياً!! ثم كيف ينظر السوريون لمستقبل التعاطي مع استغلال الدين، ومشاعر الناس في خدمة المشاريع الخارجية!!! هذا أمر يحتاج لدراسات علمية، وأخذ نبض الرأي العام السوري.
3- قضية فلسطين: لقد شكل تورط أطراف فلسطينية إخوانية (حماس) في التآمر على الشعب السوري من خلال استغلال حسن الضيافة ردة فعل سلبية لدى أغلبية الرأي العام السوري الذي بدأ يتحدث عن أن سورية ضحت كثيراً من أجل فلسطين، وبعض أهلها يطعنوننا في الظهر ما ترك ندوباً عميقة لدى الشعب السوري!! وكي نكون موضوعيين لا بد من الإشارة إلى أن هناك أشقاء فلسطينيين قاتلوا، واستشهدوا إلى جانب الجيش العربي السوري حفاظاً على وحدة سورية- إذ يدرك هؤلاء أن تقسيم سورية وإضعافها هدفهما تصفية قضية فلسطين، وأخص هنا (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة)، وتيارات فلسطينية قومية وعلمانية.. ومع كل ذلك هذا الموضوع الجوهري أصبح إشكالياً لدى الرأي العام السوري، وبحاجة لمعالجة، ودراسة، واستطلاع رأي عام لمعرفة النبض الحقيقي للسوريين!
4- مسألة المعارضة السياسية: كيف ينظر الرأي العام السوري للمعارضة السورية في الخارج، والداخل، وكيف يقيم أداءها، وهل هي معارضة حقيقية أم مُصنعة! وهل وجود المعارضة حاجة وطنية في مستقبل سورية أم لا! وأي شكل للمعارضة يجب أن يكون برأي الناس، وكيف ينظر السوريون لهذه الظاهرة الجديدة الوافدة عليهم.
العلاقات مع الدول: النظرة لإيران- والعلاقة والتحالف معها، وأين يقف السوريون من ذلك، وهل السعودية تحدد مزاج بعض السوريين أم إن النظرة للسعودية مختلفة عما نعتقد؟ إذا أضفنا لذلك العلاقة مع روسيا، والصين، ومحور شنغهاي، وكيف ينظر السوريون إلى كل ذلك! إنها أسئلة مطروحة ومثار جدل، وتحتاج لقراءة علمية، وتوجيه للرأي العام.
– إضافة لهذه العناوين العريضة، وغيرها الكثير مما يمكن الحديث عنه، فإن قراءة واستطلاع الرأي العام فيما يخص الشأن الداخلي لا تقل أهمية عن الشأن الخارجي، لا بل إن اهتمامات الرأي العام السوري بحياته، وواقعه المعيشي الصعب، وأداء المسؤولين، وقصص الفساد، وغلاء أجور الشقق والعقارات، وتوفير المواد الأساسية، وأزمات الوقود، وقصص فجور البعض في حياتهم ووطنهم يتعرض للخطر.. وأداء الحكومة، والنظرة لدور حزب البعث، والأحزاب السياسية، ومدى تأثيرها في الرأي العام.. كلها أسئلة مهمة تحتاج لعمل علمي دقيق ومطلوب، إذ لا يمكن الاستمرار باستراتيجية (المياومة) (كل يوم بيومه) ونحن نواجه كل هذه الأسئلة المصيرية.
– إذاًَ ما اعتقده أن الرأي العام السوري أصبح عاملاً مهماً، وأساسياً لا بد من دراسته، واستطلاعه، والعمل عليه، لأن المواطن السوري هو الأساس الذي من أجله يعمل الجميع.
– هي دعوة للجامعات، والمؤسسات البحثية، والحكومة، وكل من يعنيه الأمر لإنشاء مركز سوري متطور لاستطلاع الرأي العام، لأنه أحد أهم الأدوات في صناعة القرار داخلياً، وخارجياً، ولأننا في زمن صعب، وقاسٍ فنحن بحاجة لقرارات استثنائية، إذ لا يمكن حل مشاكلنا بعد الآن بالاتكال على اللـه فقط– بل لابد أن ننطلق من (أعقل وتوكل).