اقتصاد

فضاء البحار وقناة البحرين

علي هاشم: 

يستوجب الإعلانان الأردنيان عن طرح مناقصة «قناة البحرين» الواصلة بين الميت والأحمر هذا العام، والبدء بدراسة مسارات أنابيب النفط العراقي عبر أراضيها إلى العقبة، قراءة هادئة.. فلئن اتفقنا على أن الحروب العسكرية تخاض لأهداف اقتصادية، فإن معيار «تحقق الأهداف» في استيضاح نجاح الحرب التي شنت على سورية باسم «الثورة» من فشلها، يؤسس للاعتراف بدنوها من تحقيق أحد أهدافها..
في 2010، مضت سورية بثبات نحو استثمار موقعها، وما إن انطلقت نحو تسويقه كقلب للجغرافيا الاقتصادية في المنطقة والعالم، ذهبت أوساط اقتصادية حكومية آنذاك للحديث (بتلهف) عن ضرورة ربط ميناء العقبة الأردني (سككياً) بالأراضي السورية ومد شبكات الاتصالات نحو المحطة القارية في جدة السعودية، مفصحة عن ترجمتها الخاصة لما أطلق عليه (فضاء البحار الخمسة) محولة بذلك الطبيعة الإستراتيجية للجغرافيا السورية إلى مجرد «محطة أخيرة» في طرق التجارة.. في تلك الأثناء بذلت الأردن مساعيها لإغراء العراق بتسويق نفطه عبر مينائها، وإعادت هيكلة قطاع الجمارك لدفع استثماريته… من دون جدوى؟!… بعدها بأسابيع، قدمت الاتفاقية السورية العراقية لمد ثلاثة أنابيب نفط وغاز إلى موانئ المتوسط العربية ترجمة اقتصادية حقيقية لذلك الفضاء الذي تتوسطه سورية.
في تلك الحقبة، لم يكن من الصعب إدراك صراع المصالح المتفاقم في المنطقة، أنابيب النفط شكلت نافذة لإدراك أبعاده، وفي الوقت الذي يصعب فيه على المرء تصور الأهمية التي يختزنها ميناء كالعقبة قياساً بالموانئ السورية التي تستورد المملكة «الجارة» ما يقارب 60% من احتياجاتها عبرها، فإن محاولة إحياء (عظام) ميناء العقبة (وهي رميم) فضح المخاوف الغربية من إدراك سورية لماهية موقعها.. وعند أول انطلاقة نحو الفضاء الجديد، جاءت الحرب باسم «الثورة» بثمنها ومآلها المدروسين، لتعيد تسييل خطوط الطول والعرض العابرة لجغرافيتها..
اليوم، يؤسس الاتفاق الأردني العراقي لخطوة متقدمة في إعادة رسم خطوط التجارية للمنطقة، يحسب الأمر انتصاراً للغرب في إقصاء الجغرافيا السورية، ومع إعلان المملكة عن دخول الأنابيب التي تكلف 18 مليار دولار لنقل مليون برميل يومياً عبر 1700 كلم مرحلة تحديد المسارات.. وفي الواقع، هذا النوع من الترتيبات يتمدد بتأثيره لوقت طويل، إذ لن تتأخر الخطوط التجارية من الارتسام على جانبيه، وإذا ما تم إدماجه لاحقاً -وهذا بحكم المؤكد- ضمن مشروع «فضاء قناة البحرين» بعد تجسد نبوءة هرتزل بتحويل البحر الميت إلى رصيف متقدم لميناء حيفا، يتعاظم اليقين بأن المشروع برمته سيشكل حجر الزاوية في إعادة تشكيل النسخة الجديدة من «الشرق الأوسط» في شقها الاقتصادي!
ثمة قدر يقاوم هذا المستقبل، فمنطق الجغرافيا سيدافع عن ذاته في سورية، وما تهريب طرق التجارة التاريخية إلى شمالها (من إيران والعراق إلى تركيا عبر معابر كردستان فأوروبا) وإلى جنوبها (العراق الأردن حيفا، وقريباً: الخليج الأردن حيفا) إلا التفاف ظرفي مؤقت أقرب للهروب من حتمية ذلك المنطق!!.. وحده منع التقاء التراب السوري بالعراقي، قد يكسر ذلك المنطق عبر كسر الجغرافيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن