من دفتر الوطن

قفاز في وجه بوريس جونسون

| حسن م. يوسف 

لو كنا نعيش في العصور الوسطى لما ترددت في إلقاء قفازي في وجه السيد بوريس جونسون وزير الدولة للشؤون الخارجية والكومنولث في بريطانيا تعبيراً عن دعوتي له لمبارزة بيننا حتى الموت، لأنه وجه لي إهانة شخصية لا يسكت عنها في مقاله المنشور في جريدة التايمز يوم الأربعاء الماضي.
صحيح أن بوريس جونسون ليس أول مسؤول غربي يدس أنفه البشع في الشؤون المحلية لوطننا السوري، وهو لن يكون آخر من يسمح لنفسه الأمّارة بالسوء بأن يتكلم كمندوب سام يقرر نيابة عنا نحن السوريين كيف يجب أن نطبخ المجدرة، وكيف يجدر بنا أن نصنع المكدوس، وما هي المواصفات القياسية التي يجب توافرها في شوارب مختار هذه القرية أو تلك من القرى السورية! فقد سبقه لاقتراف هذا النوع من البذاءات العديد من المسؤولين الغربيين الذين طاروا عن كراسيهم وبقيت سورية راسخة في تاريخها.
لقد سبق لكثير من المسؤولين الغربيين (الذين أصبح معظمهم حالياً مسؤولين سابقين) أن طالبوا برحيل الرئيس الأسد، حتى باتت هذه الأسطوانة المشروخة تثير الضحك لا داخل سورية فقط بل خارجها أيضاً، إلا أن ما كتبه وزير الدولة للشؤون الخارجية والكومنولث المدعو بوريس جونسون، الذي كان صحفياً ومحافظاً لمدينة لندن، يشكل إهانة مزدوجة، لي شخصياً، ولكل سوري لا لكون جونسون يحمل الجنسيتين البريطانية والأميركية، بل لأنه تجرأ وقال ما لم يسبق أن تجرأ أحد غيره من المسؤولين الغربيين على قوله: «ما دام الأسد ممسكاً بزمام السلطة في دمشق، فلن تكون هناك سورية كي يحكمها».
ثلاثة أيام وعبارة «لن تكون هناك سورية» لا تكف عن الطنين في رأسي. فالتهديد بزوال سورية ما لم يرحل رئيسها، هو أوقح ما قيل طوال سنوات هذه الحرب المجرمة التي يشنها الغرب الاستعماري على سورية بالتحالف مع الفاشية الوهابية، بل هو أوقح ما قيل في تاريخ الدبلوماسية البريطانية الحافل بالوقاحات! فهو يعني أن بوريس جونسون هو صاحب القرار الحاسم فيما يجري على الأرض السورية، كما يعني أنه قادر من خلال من يسيطر عليهم أن يلغي سورية من الوجود!
يقول أجدادنا من لا يعرف الصقر يشويه، وأنا على يقين أن المدعو بوريس جونسون لا يعرف شيئاً يذكر عن تاريخ سورية التي هي أم الصقور والنسور، ولا يعرف ماذا يعني قلبها النابض دمشق، وبما أنه مولود في نيويورك ويحمل الجنسية الأميركية سأحيله إلى ما قاله الكاتب الأميركي الكبير مارك توين عندما زار دمشق عام 1867. يقول توين:
«دمشق لا تَقِيسُ الوقت بالأيام والشهور والأعوام، بل بالإمبراطوريات التي شَهِدَتْ صعودها وازدهارها، ثم رأتْ انهيارها وانحلالها.
دمشق ضَرْبٌ من الخلود؛ رأت أساسات بعلبك وطيبة وأفسس، عندما وُضِعَتْ، ورأت تلك القرى الصغيرة، عندما كبرتْ. رأتها وقد تحوَّلتْ إلى مدن جبارة، عَظَمَتُهَا أدهشت سكان المعمورة، كما عاشت بعدها لتراها خرائب مهجورة، تسكنها الخفافيش وينعب فيها البوم. رأت بلاد اليونان تعلو وتزدهر طوال ألفي عام، ثم رأتها تموتْ.
وفي شيخوختها، رأت روما تُبْنَى، ورأتها تلقي بظلالِ قوَّتها على الدنيا، كما رأتها تموتْ.
رأت جَنَوة والبندقية تحوزان القوة والعظمة لقرون قليلة، كما رأتهما تهلكانْ، ولم يكن ذلك بالنسبة لدمشق العريقة، سوى بريق عابر لا يستحق سوى النسيان.
شهدت دمشق كل ما رآه العالم من أحداث في الماضي، وهي لا تزال تعيش.
شهدت من عليائها، العظام النخرة لألف إمبراطورية، وسوف ترى مقابر ألف إمبراطورية أخرى، قبل أن تموت».
نعم لو كنا نعيش في العصور الوسطى لما ترددت في إلقاء قفازي في وجه السيد بوريس جونسون، تعبيراً عن دعوتي له لمبارزة بيننا حتى الموت، أما وأننا في عصر ارتقاء التكنولوجيا وانحطاط الأخلاق فسأكتفي بأن أؤكد له عبر هذا المقال أن سورية التي كانت، ستواصل كينونتها حتى بعد أن تتحول عظامه إلى غبار في الريح!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن