تحقيقات الأمم المتحدة تصر على الانحياز
| الوطن – وكالات
يبدو أن الأمم المتحدة ولجان تحقيقها لا تزال تعيش مرحلة الأحادية القطبية وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على المنظمة ومؤسساتها، حيث دعت لجنة تحقيق فيها مؤخراً حول سورية إلى إحياء الهدنة التي تم التوصل إليها في 27 شباط الماضي زاعمة أن روسيا و«النظام السوري» يتحملان مسؤولية ازدياد عدد الضحايا المدنيين في سورية، ولاسيما في مدينة حلب. ومساء الثلاثاء زعمت لجنة التحقيق حول حقوق الإنسان في سورية التابعة للأمم المتحدة أن القوات السورية والروسية تتحمل مسؤولية ازدياد عدد الضحايا المدنيين في سورية، من خلال «عمليات القصف» التي تقوم بها، وكأن القصف يتم من جهة واحدة أو كأن الحكومة السورية وحلفاءها وعلى رأسهم الروس لا يقاتلون سوى المدنيين الآمنين في منازلهم. ولطالما عرف عن الأعضاء الغربيين في مجلس الأمن الدولي ومنظمات الأمم المتحدة «عدم حياديتهم» تجاه مجريات الأحداث في سورية والعالم، إذ دأبوا على الكيل بمكيالين عند أي قضية تعرض أمامها وفق مصالح القوى لكبرى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ولا يخفى على أحد أنه لولا استعمال موسكو وبكين حق النقض الفيتو عدة مرات في مجلس الأمن لكانت سورية اليوم تعيش سيناريوهات مختلفة أكثر سوءاً.
وآخر فصول «ازدواجية معايير» الأمم المتحدة كان تقرير خطه ثلاثة محققين، ورغم أنهم وجهوا انتقادات «إلى كافة أطراف النزاع الدامي بشأن زيادة الهجمات التي تستهدف المدنيين دون تمييز» مشيرين إلى الهجمات على المراكز والطواقم الطبية وعلى إعاقة وصول القوافل الإنسانية والاختفاء القسري والإعدامات الميدانية، إلا أنهم حاولوا تحميل الطرف الحكومي المسؤولية الأكبر فقط لأنه «يمتلك الطائرات التي تقصف المدنيين». ورغم أن موسكو تدعو منذ أشهر نظيرتها واشنطن لفصل الجماعات المسلحة في سورية عن «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، إلا أن المحقق فيتيت مونتربورن عندما تحدث للصحفيين في جنيف أغفل هذا الامر، معتبراً أن القصف الجوي الذي تنفذه «القوات الموالية للحكومة يتسبب بالعدد الأكبر من الضحايا المدنيين والأضرار للمنشآت المدنية ولاسيما في إدلب وحلب».
ويبدو أيضاً أن محققي الأمم المتحدة تناسوا عن قصد أو عمد المصالحات التي تجريها الحكومة في مناطق مختلفة في سورية وكلها تفضي بالنهاية إلى نقل للمسلحين إلى ريف إدلب، الذي يعتبر معقلاً أساسياً لميليشيا «جيش الفتح» التي تقودها «فتح الشام»، إلا إذا كانت مقاصد المحققين الدفاع عن هؤلاء المسلحين والإرهابيين.
فريق التحقيق الثلاثي دعا أيضاً جميع الأطراف إلى إعادة إحياء الهدنة المترنحة رغم إخفاق واشنطن وموسكو بالاتفاق حول سبل وقف القتال في الحرب الدائرة منذ 2011، لكن اللافت أن هذه الدعوة تزامنت مع إعلان إعادة حصار الجيش للأحياء الشرقية في مدينة حلب، والتي يتمترس فيها مسلحو المدينة رغم أن المرحلة الماضية شهدت عملية إنسانية روسية سورية مشتركة لإخراج المدنيين من تلك الأحياء وتسليم المسلحين لأنفسهم، ما يشير إلى أن أصوات الأمم المتحدة لا تتعالى إلا عندما ينتصر الجيش العربي السوري وعندما يتقدم المسلحون فهم يرحبون ويصمت لسان قلقهم واستنكارهم، حيث إن المحققين عبروا عن «عميق قلقهم» بشأن مصير 300 ألف مدني على الأقل في الأحياء الشرقية التي يسيطر عليها المسلحون في حلب».
رئيس اللجنة البرازيلي باولو سرجيو بنهيرو وعندما طلب منه توضيح المقصود بالقوات الموالية للحكومة، قال إن «القوات الموجودة في الجو هي قوات روسية وسورية» وكلامه في الحقيقة صحيح لكن المقاطع التي تأتي بها صفحات «الفيسبوك» مؤخراً تصور بالفيديو كيف بدأت الميليشيات المسلحة عمليات إنزال قنابل من الجو باستعمال طائرات بلا طيار من جهة ويتناسى بنهيرو كل دعوات المصالحة التي تطلقها دمشق، حتى لو شككت الأمم المتحدة فيها. من جهة ثالثة يغفل التقرير وجود مسلحين متعطشين لسفك الدم كالمجزرة التي ارتكبت بحماة منذ أيام حيث تم قتل نحو 90 من أهالي قرى ريف حماة الشمالي ذبحاً، على حين استنفر المحققون لما سموه «أعمال القتل خارج القانون، بما فيها الموت قيد الاحتجاز، والإعدامات التعسفية لا تزال تشكل سمة هذا النزاع المغمس بالدم»، لا بل اعتبروا أن المعتقلين لدى القوات الحكومية خصوصاً يتعرضون «للتعذيب ولاعتداءات جنسية».
ومن أجل منح المزيد من المتنفس للمسلحين دعا المحققون في تقريرهم الثاني عشر الذي يتناول الفترة من كانون الثاني إلى تموز 2016، إلى ضرورة «إعادة إحياء الشعور بالأمل الذي ولد في وقت سابق هذه السنة»، بعدما وفر اتفاق الهدنة في شباط الماضي «فترة توقف رحب بها المدنيون لكن أمدها لم يطل».
وبربط التقرير بما نجم عن قمة العشرين في هانغشتو الصينية وفشل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بالتوصل إلى اتفاق حول سورية، يظهر أن الأمم المتحدة تسعى لتحميل مسؤولية إفشال الحل لأحد الأطراف دون آخر فرغم ما زعمه التقرير من إنسانية إلا أنه لم يتطرق إلى مئات الفيديوهات عن معسكرات الإرهابيين والمسلحين التي تعج بالأطفال، وكأن الطفولة لم تعد شأناً إنسانياً.
وأعربت اللجنة عن قلقها خصوصاً بسبب ما سمته «ازدياد الهجمات التي استهدفت المستشفيات والطواقم الطبية خلال الأشهر الستة الماضية، مشيرة إلى تأثير ذلك الرهيب على فرص الحصول على الرعاية الصحية في المناطق التي تحتاج إليها بشكل كبير، وهنا أيضاً حملوا الحكومة المسؤولية من خلال «القصف الذي تنفذه قوات موالية للحكومة ودمر أكثر من 20 مستشفى وعيادة في محافظة حلب» وحدها منذ كانون الثاني.