الخبر الرئيسي

اتفاق روسي أميركي على «هدنة» تنتهي بحرب مشتركة على داعش والنصرة.. ويسهل استئناف الحوار السوري السوري … تفاهم اختبار النيات.. الجيش فرض شروطه في جنيف وطريق حلب آمن

| كتب المحرر السياسي

بعد أسابيع من المفاوضات وساعات طويلة من الاجتماعات وأشهر من الكذب والمراوغة الأميركية، يبدو أن ثمة «تفاهماً» خرج به وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف ليل أول من أمس في جنيف هدفه المعلن «تسهيل استئناف الحوار السوري السوري» وحقن الدماء وتخفيف حدة العنف، لكن الأهم هو موافقة واشنطن أخيراً على الانخراط في عمل عسكري مشترك يستهدف جبهة النصرة وداعش معاً، بعد سنوات من الدعم المادي واللوجستي الغربي للنصرة، ما ترجم بتسليم الولايات المتحدة الأميركية رأس التنظيم الإرهابي إلى موسكو، حليفة دمشق، في حال صدقت، وصدّق البنتاغون وجهاز الاستخبارات الأميركي اللذان كانا يمانعان حتى أول من أمس التخلي عن النصرة التي يعتبرونها ورقتهم الأخيرة في مواجهة الدولة السورية، وأن التخلي عنها غير ممكن ما لم يرتبط بمصير المفاوضات السياسية وانتزاع تنازلات من الحكومة السورية.
وانطلاقاً من هذا المنطق يمكن فهم موافقة دمشق على المقترحات الروسية، كما أعلن لافروف خلال مؤتمره الصحفي، إذ لا يمكن أن تمانع سورية قيام تحالف روسي أميركي دولي هدفه القضاء على الإرهاب، وهي من خلال موافقتها تريد بدورها اختبار النيات الأميركية وجدية الولايات المتحدة في رفع الدعم عمن كانوا، ولا زالوا حتى إشعار آخر، حلفاءها وتم استثمارهم لقتل السوريين وتدمير البنى التحتية السورية.
مفاوضات جنيف والمحادثات الروسية الأميركية كانت «معقدة وصعبة»، وكانت تتبدل وفقاً للواقع الذي يفرضه الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان كل يوم وكل ساعة، الأمر الذي أربك المفاوض الأميركي ودفعه لتقديم العديد من التنازلات أمام المفاوض الروسي وأهمها، تثبيت الوضع الراهن في الراموسة لمصلحة الجيش السوري ومنع أي هجمات جديدة على هذا المحور الحيوي، والاكتفاء بممر إنساني في الكاستيلو ومنح فرصة للإرهابيين في مناطق حلب التي يحتلونها للخروج مع سلاحهم إلى المناطق التي يختارونها شمال حلب وشرقها.
هي «هدنة» لكنها لا تشبه هدنة شباط الماضي الهشة، فالتفاهم الأميركي الروسي ينص في جديده على إجراءات بحق من ينتهك هذه الهدنة، إضافة إلى أنها متدرجة تبدأ بـ٤٨ ساعة وتمدد، في محاولة لاختبار قدرة الطرفين ونياتهم على فرض قرارهما على من يدعمونهما، وخاصة اختبار نيات واشنطن على فرض إيقاعها على المجموعات الإرهابية وعلى السعودية خاصة التي تدير العديد منها، ولعل الرسالة الأقوى التي وجهت للسعودية وسبقت اجتماع جنيف الأخير كانت استهداف قادة المجموعات الإرهابية في كفرناها ومقتل أغلبيتهم وهم مجتمعون بهدف التحضير لهجمات جديدة على محوري الراموسة والكاستيلو، وفقاً لمصادر أهلية في ريف حلب الغربي.
ويضاف إلى الهدنة، في حال نجاحها، تأسيس غرفة عمليات مشتركة روسية أميركية للحرب على داعش والنصرة معاً، وهذا جديد الاتفاق الروسي الأميركي وربما النقطة الأهم التي تم التوصل إليها، فواشنطن التي كانت منذ أيام تقدم الحماية غير الرسمية للنصرة وتراوغ بحجة عدم القدرة على الفصل بين الإرهاب المتطرف والإرهاب المعتدل، باتت اليوم مضطرة وفقاً للتفاهم في حال نجح، لضرب النصرة وبالتنسيق مع الطيران الروسي نتيجة التفاهم الجديد، ولم يعد بمقدورها إضاعة مزيد من الوقت، وخاصة أن الدولتين والرئيسين فلاديمير بوتين وباراك أوباما باتا على عجلة من إعلان اتفاق لحل الأزمة السورية قبل رحيل الإدارة الأميركية الحالية وقبل انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث من المتوقع أن يتم خلالها الإعلان عن استئناف للحوار السوري السوري في جنيف وفق خريطة فيينا، ومن دون تدخل خارجي، لذلك لم تكن موسكو مستعدة لمناقشة المسار السياسي مع واشنطن خلال المفاوضات لأنها متمسكة بمبادئ القانون الدولي وما سبق أن تم الاتفاق عليه في فيينا، حيث يكون الحوار سورياً سورياً من دون شروط مسبقة أو تدخل خارجي، وفي حال نجحت الهدنة الجديدة وتم تثبيت وضع حلب فلن يكون هناك من حجة أمام وفد الرياض لعرقلة المفاوضات، علماً أن مصادر دبلوماسية عدة في جنيف أكدت لـ«الوطن» أنه في حال استئناف المفاوضات السورية السورية في جنيف فلن ينفرد وفد الرياض في تمثيل المعارضة بل سيكون جزءاً من وفد موسع يضم العديد من الشخصيات غير المرتبطة بالسعودية.
إذاً نحن أمام اختبار وليس تفاهماً أو اتفاقاً نهائياً، وخاصة أن هناك دولاً خليجية وغربية وخلافات داخل الإدارة الأميركية ذاتها وتيارات لم تكن راضية عن التفاهم وحاولت عرقلته في جنيف، وهذا ما أعلنه صراحة لافروف، وستعمل تلك الدول والتيارات على عرقلة الاتفاق قدر استطاعتها وهي تسيطر على عدة مجموعات إرهابية، وقادرة على اختراق الهدنة، لكنها ستتحمل نتائج أفعالها الآن، لكون موسكو أصرت على أن تكون هناك آلية للرد على الاختراقات لعلمها المسبق بنيات تلك الدول والتيارات ومحاولاتها لإفشال أي اتفاق أو جهد دولي لإنهاء الأزمة في سورية، وباختصار يمكن أن نطلق بحذر على ما حصل في جنيف آخر اختبار لنيات واشنطن تجاه وقف دعم المجموعات الإرهابية في سورية والذي يأتي في وقت بدأت تركيا تتراجع عن مواقفها الداعمة لواشنطن والسعودية وتتقرب أكثر من رؤية موسكو للحل.
لننتظر أياماً قبل أن نحكم على أهمية هذا الاتفاق وإن كانت واشنطن صادقة في نياتها أم إنها تكسب مزيداً من الوقت قبل أن ترحل الملف السوري إلى الإدارة القادمة تلبية لرغبة العديد من الدول المعادية لسورية التي خيب أملها أوباما وإدارته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن