من دفتر الوطن

مقامرة مشؤومة ومتهورة

| حسن م. يوسف 

في القراءة أيضاً هناك ما يمكن أن نسميه؛ الحب من أول جملة، وقد حدث هذا لي عام 2008 مع البروفسور الأميركي جيفري ساش (ساكس) إذ فتح شهيتي لقراءة مقاله من عنوانه: «الحرب الرقمية ضد الفقر»، ربما لأن نهجه في مقاربة القضايا الشائكة يشبه النهج الذي طالما اعتمدته في كتاباتي؛ أي ترجيح تفاؤل الإرادة على تشاؤم العقل. وهذا الأمر يتبدى في أول جملة من أول مقال قرأته له إذ يقول: «إن التفاوت الرقمي بين شعوب العالم أصبح في طريقه إلى الاضمحلال». كما يتبدى في عنوان كتابه «نهاية الفقر»، الذي يستنتج في آخره أن العالم قادر على القضاء على الفقر المدقع بحلول العام 2025 بوساطة استخدام تكنولوجيا المعلومات الرقمية، فيما لو ترافق ذلك بجهود تعاونية عالمية. لكن انتشار العنف في العالم وتغيرات المناخ جعله يتراجع عن هذا الاستنتاج ويعتبره متسرعاً.
المهم في كتابات جيفري ساش، هو أن تفاؤل إرادته لا ينبع من فراغ؛ فهو أستاذ التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا وأستاذ السياسات الصحية والإدارة، ومدير معهد الأرض في تلك الجامعة، وهو يشغل مناصب علمية عديدة كما أنه مدير شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة.
ما يدفعني اليوم للتوقف عند جيفري ساش هو مقال له نقلته وكالة رويترز مؤخراً بعنوان: «دور أميركا الحقيقي في سورية». ونظراً لخطورته سأترجم لكم أهم ما جاء فيه.
يصف ساش ما يجري في سورية بأنه: «أكثر الأزمات خطورة وتدميراً على هذا الكوكب».
لأن «إرهاب داعش والتداعيات السياسية للاجئين هزا أوروبا بحيث اقتربت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي أكثر من مرة وبصورة خطرة من المواجهة المباشرة مع روسيا».
ويتهم ساش أوباما بـمضاعفة المخاطر لأنه قام بـ«إخفاء دور الولايات المتحدة في سورية عن الشعب الأميركي وعن الرأي العام العالمي». ويصف التصور الذي نشرته الإدارة على نطاق واسع عن بقاء الولايات المتحدة خارج الحرب السورية بأنه كاذب، ويبرهن على ذلك بالتقرير الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في كانون الثاني الماضي «… عن صدور أمر رئاسي سري عام 2013 لوكالة الاستخبارات المركزية بتسليح المتمردين السوريين. وقد أوضح التقرير أن المملكة العربية السعودية تكفلت بتوفير تمويل ضخم لعملية التسليح، على حين قامت وكالة المخابرات المركزية، بناء على أوامر أوباما، بتقديم الدعم التنظيمي والتدريب».
ويستغرب ساش كيف مر هذا التقرير من دون توضيح من الحكومة الأميركية ومن دون تعليق ومتابعة من الإعلام: «لقد ترك الجمهور في الظلام».
ويسخر ساش من قول أوباما بأنه «لن يكون هناك جنود للولايات المتحدة على الأرض». فعندما قُصِفَت مواقع (المتمردين) في الشمال السوري: «أبلغت الولايات المتحدة الكرملين أن الهجمات كانت تهدد القوات الأميركية على الأرض. غير أنها لم تعط الجمهور أي تفسير حول مهمة تلك القوات، أو تكاليفها، أو الأطراف المقابلة لها في سورية!».
يرى ساش رغم التكتم «أن أميركا منخرطة بفاعلية في حرب مستمرة، تنسقها وكالة المخابرات المركزية بهدف الإطاحة بالأسد ومحاربة داعش. وحلفاء أميركا في جهودها هذه هم المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر، ودول أخرى في المنطقة. وقد أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على التسليح والتدريب وعلى قوات العمليات الخاصة والغارات الجوية والدعم اللوجستي لقوات المتمردين، بما في ذلك المرتزقة الدوليون. كما أنفق حلفاء الولايات المتحدة مليارات الدولارات. أما المبالغ الدقيقة فلا يتم الكشف عنها».
يعتقد ساش أن الحروب يجب أن تكون هي الخيار الأخير، وينبغي «أن يتم تقييدها بالتدقيق الديمقراطي». ثم يستنتج أن «حرب أميركا السرية في سورية غير قانونية بموجب الدستور الأميركي (الذي يعطي الكونغرس وحده سلطة إعلان الحرب) ولا وفق ميثاق الأمم المتحدة. إن حرب أميركا المزدوجة في سورية هي مقامرة مشؤومة ومتهورة. ولا تهدف… لحماية الشعب السوري، كما يوحي أوباما وكلينتون من وقت لآخر، بل هي حرب أميركية بالوكالة ضد إيران وروسيا، وما سورية فيها سوى ساحة معركة».
*من يود التوسع يجد النص الأصلي للمقال مع ترجمتي له على صفحتي في الفيس بوك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن