بمناسبة الذكرى الـ25 لاستقلال جمهورية أرمينيا … سورية وأرمينيا .. ربع قرن من الشراكة المتينة
عندما اتخذت جمهورية أرمينيا المستقلة حديثاً قرارها بإقامة علاقات دبلوماسية مع الجمهورية العربية السورية ووضع العلاقات التاريخية مع الشعب السوري في إطارها الدبلوماسي، لم يكن الأمر مفاجئاً للأرمن ولا للسوريين. وقد أرسلت أرمينيا في 6 آذار عام 1992 وزير خارجيتها رافي هوفانيسيان إلى دمشق من أجل التوقيع على اتفاقية «إقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية أرمينيا والجمهورية العربية السورية»، التي تعد أول وثيقة يتم توقيعها رسمياً بين سورية وأرمينيا بعد استقلالها.
وكذلك لم يكن مستغرباً أن يقوم أول رئيس لجمهورية أرمينيا المستقلة ليفون دير بيدروسيان (وهو من مواليد حلب) بزيارة إلى سورية في 25 نيسان 1992 والتي كانت أول زيارة له إلى البلاد العربية بعد استلام منصبه.
وتلا ذلك خطوة تأسيسية للمباشرة في أعمال سفارة جمهورية أرمينيا بدمشق في تشرين الثاني عام 1992، -وكان لي الشرف بمشاركة أعمال السفارة منذ اليوم الأول وممارسة عملي كمترجمة ومديرة مكتب السفير-، وقد تم افتتاح سفارة جمهورية أرمينيا رسمياً بدمشق في 5 نيسان عام 1993.
وبدأت العلاقات بين البلدين تأخذ بشكل متسارع منحى رسمياً، وتترسخ أرضية قانونية للعلاقات مع سورية، لاسيما في إطار توقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات عديدة ترسم ملامح العلاقات بين حكومتي البلدين.
وبعد سنوات قليلة، اتخذت القيادة السورية قراراً بفتح سفارة الجمهورية العربية السورية في عاصمة أرمينيا يريفان في تشرين الأول عام 1997، متمثلاً بشخص د. حامد حسن، أول قائم بأعمال سفارة الجمهورية العربية السورية لدى جمهورية أرمينيا.
كل تلك الخطوات كانت نتيجة لتداخل تاريخي بين الشعبين، ورؤية مشتركة لدى الحكومتين والقيادة في البلدين لواقع المنطقة. وليس من باب المصادفة أن يتم افتتاح ثلاث ممثليات لجمهورية أرمينيا في سورية: السفارة في دمشق عام 1992، والقنصلية العامة في حلب عام 1993، والقنصلية الفخرية في دير الزور عام 2010.
ونجد أن العلاقات الأرمينية-السورية بعد استقلال أرمينيا كانت راسخة ووجدت الأرضية الخصبة لكي تتطور وتأخذ شكلها القانوني والدبلوماسي نتيجة لعدة عوامل؛ أهمها المصير الواحد الذي واجهه الشعبان الأرمني والسوري فترة الإمبراطورية العثمانية، ويكمن العامل الثاني في السوريين الأرمن الذين باتوا اللبنة الأقوى لوضع العلاقات الشعبية ضمن بوتقة العلاقات الحكومية الثنائية، وأخيراً، فإن تلك العلاقات الجديدة شكلت استمرارية للعلاقات من فترة الاتحاد السوفييتي.
ولعله من المهم لفت الأنظار إلى مؤشرات أخرى أكسبت تلك العلاقات بعداً مختلفاً، لجهة أن سورية كانت مسقط رأس العديد من المسؤولين رفيعي المستوى في أرمينيا؛ وقد أشرنا إلى رئيس الجمهورية الأسبق، ونذكر هنا أيضاً وزير خارجية جمهورية أرمينيا الأسبق فارتان أوسكانيان، وهو من مواليد حلب أيضاً. وخلال زيارته الرسمية إلى دمشق في 22 تشرين الثاني عام 1998، أفصح في اللقاء الرسمي الذي جرى مع الرئيس الراحل حافظ الأسد -وكان لي شرف ترجمة اللقاء-، أنه كان بين الطلبة الحلبيين الذين لوّحوا بالأعلام للرئيس الأسد حين زار حلب قبل سنوات مضت. وربما من المفيد أن نذكر أيضاً أن سفير جمهورية أرمينيا الحالي لدى سورية د. أرشاك بولاديان هو من مواليد رأس العين.
واليوم بعد 25 عاماً من العلاقات الثنائية بين سورية وأرمينيا، من المهم الإشارة إلى المحاور التي شكلت أساساً لتلك العلاقات المتينة؛ ومنها؛ العديد من الزيارات المتبادلة على مستوى رئيسيّ البلدين ورئيسي الحكومتين والوزراء والوفود البرلمانية ورجال الأعمال وغيرها، وكذلك الاتفاقيات الموقعة في العديد من المجالات، ما أفرز تعاوناً كبيراً لاسيما في مجال التعليم والتربية والثقافة والزراعة والسياحة والصحة والاقتصاد وغيرها، بالإضافة إلى نشاطات مجلس الأعمال السوري الأرميني الذي تأسس عام 2009 لخدمة اقتصاد الجمهورية العربية السورية وجمهورية أرمينيا، دون إغفال التوافق في المواقف السياسية في المنابر الدولية.
أما في السنوات الخمس الماضية، فقد وقفت أرمينيا إلى جانب الشعب السوري وأعربت عن دعمها لسورية في مكافحة الإرهاب، وكذلك للجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية لإعادة الأمن والاستقرار.
إن أهم الدروس التي يمكن أن نحصدها من هذا الاستقلال أن الشعب الأرمني أثبت إمكانياته في تأسيس دولة، واستطاع إقامة علاقات متوازنة مع دول العالم.
لقد تمتعت العلاقات السورية الأرمينية بروابط حضارية قديمة، وعاشت ربع قرن من الشراكة المتينة في إطارها الدبلوماسي والقانوني، ولذلك لابد لها أن تستمر في السياق ذاته من خلال تفعيل الاتفاقيات المبرمة، وإعادة تفعيل البرامج التنفيذية لاتفاقيات التعاون الثقافية والاقتصادية بين البلدين، من أجل تعزيز علاقات التعاون في المجال الثقافي والتعليم العالي والبحث العلمي وغيره، بالإضافة إلى إعادة تشكيل جمعية الصداقة البرلمانية السورية الأرمينية لتسهم في تعزيز العلاقات البرلمانية بين سورية وأرمينيا، وكذلك إيجاد آليات تفعيل عمل اللجنة المشتركة السورية الأرمينية لإحياء الاتفاقيات الاقتصادية وتعميق علاقات التعاون بين البلدين، والمساهمة بشكل فاعل وبمشاركة السوريين الأرمن في عملية التنمية وإعادة الإعمار في سورية المتعافية.
د. نورا أريسيان
عضو مجلس الشعب