في الاغتيال السياسي … المقدم إبراهيم الحسيني والعقيد محمد ناصر .. الاغتيال وسيلة سياسية لإسكات المطلع إن انتهت فائدته!!
| شمس الدين العجلاني
تاريخنا السياسي يحفل بالعديد من القصص والحكايا عن اغتيالات ومؤامرات سياسية لمّا تنته بعد، ولم تزل ملفاتها مفتوحة ولم يزل الرماد دافئاً ولم ينطفئ… التساؤلات والشكوك تحوم حولها، ولا بد من إعادة فتح هذه الملفات لمعرفة من الجاني وأسباب الجناية.. ومن الضحية.. ولماذا.. ونستفيد من هذه الأحداث التاريخية المهمة التي عصفت بحياتنا السياسية في يوم من الأيام وكانت سبباً أليماً أدى إلى ضياع خيرة شبابنا على الصعد كافة السياسية والاجتماعية والثقافية.
هنالك عدد من الضباط الذين قاموا خلال فتره الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي بانقلاباتهم العسكرية، وجعلوا البلاد في صراعات دموية، لم يكونوا سوى ضباط مغامرين طائشين نزقين مدمنين السهر والخمر والنساء، فاسدين يركضون وراء الأموال والأهواء، مرتبطين بدول وأحزاب وأحلاف ومؤامرات، وكانوا منذ صغرهم يتمتعون بمثل هذه الأخلاق.
اشتهر في ذاك الزمن المقدم إبراهيم الحسيني قائد الشرطة العسكرية بدمشق، الذي شارك في هذه الانقلابات العسكرية، وساهم في عدد من الاغتيالات للضباط السوريين، وقيل عنه في مذكرات السياسيين والعسكريين الكثير… لقد وصف الحسيني بأنه كان لغزاً كبيراً عجيباً وأن له بصمات واضحة في جميع الانقلابات السورية ومسارها…
المقدم إبراهيم الحسيني
غلب لقب الحسيني على كثير من العائلات في فلسطين ولبنان وسورية، ولا تجمعهم صلة قربى، ففي مدينة حمص على سبيل المثال هنالك عائلتان تحملان هذا اللقب واحدة كبيرة ذات جذور تركمانية، والثانية من السادة الأشراف الحسينية، وفي دمشق كذلك الأمر فهنالك آل الحسيني من العترة الطاهرة، أو غير ذلك… وموضوع تغيير الكنى، أمر وارد في بلادنا على مر الأيام، والسؤال إلى أي عائلة حسينية ينتمي المقدم إبراهيم الحسيني!؟ ومن هو!؟ وما دوره في الحياة السياسية والعسكرية السورية في فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي!؟ وهل هو ذو جذور يهودية كما يدعي البعض!؟
في ثنايا كتب المذكرات للعديد من الشخصيات السورية المؤثرة في تاريخنا، نقرأ عن إبراهيم الحسيني أنه كان متحدثاً، أنيقاً، لبقاً ذكياً ونقرأ أيضاً أنه كان عميلاً للمخابرات المركزية، وهو معروف بأنه رجل الولايات المتحدة في سورية، والرجل المطيع لآل سعود، وبعد سقوط أديب الشيشكلي غادر البلاد إلى المملكة العربية السعودية، حيث أصبح مسؤولاً عن جهاز المخابرات فيها.؟ وقيل إنه قتل في السعودية!؟
للمقدم إبراهيم الحسيني شقيق يدعى عصام وقد حكم حكماً مبرماً بجريمة تجسس على الجيش السوري – مصطفى طلاس في كتابه مرآة حياتي – لعب المقدم الحسيني دوراً مهماً في الانقلابات العسكرية في سورية، كما كان له اليد الطولى في قضيه تسليم رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعادة لإعدامه في لبنان، واتهم أيضاً بجريمة قتل الضابط السوري محمد ناصر… في أروقة التاريخ يحفل الحسيني بتاريخ طويل عريض ولكنه لا يشرف صاحبه…
وكانت نهاية المقدم إبراهيم الحسيني حسبما قال اللواء عفيف البزري: «وانتهى أمره باغتياله بحادث سيارة في السعودية لإسكاته بعد تقدمه في السن وانعدام الفائدة منه».
لقد كان المقدم إبراهيم الحسيني من أخطر ضباط المخابرات السورية.
العقيد محمد ناصر
طويت الأيام وأسدل الزمن ستاره وسقط من الذاكرة اغتيال شاب من خيرة شباب الوطن وهو لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره! لماذا اغتيل، من اغتاله، من كان وراء الاغتيال، أسئلة كثيرة طرحت منذ عام 1950م ووضعت النقاط على بعض الحروف ولكن الزمن كان كفيلاً في تغييب هذه الجريمة، دثرت أسبابها وأدواتها وسجلت بحق مجهول؟! وضاع الشاب، وفقده الوطن؟
ولد محمد ناصر عام 1913 م، في قرية نائية من قرى جبلة تدعى (عين شقاق)، وأتم دراسته في منطقته، وحصل على شهادة الثانوية العامة عام 1931 م، وفي العام التالي (1932م) تطوع في الجيش العربي السوري، دخل الكلية الحربية (العسكرية) في حمص عام 1933 م، وتخرج فيها برتبة ملازم في أيلول عام 1933م، وظل يترقى في الجيش، فرفع إلى رتبة مقدم عام 1948 م، وإلى رتبة عقيد عام 1949م، شارك في الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948 وكان ضمن جيش الإنقاذ، وكان أيضاً من عتاد القوات السورية التي سيطرت على عدد من المناطق التي احتلتها إسرائيل منها ما يسمى (مشمار هيريدن – تل العزيزات) وهو أحد أعضاء الوفد السوري إلى مفاوضات الهدنة (العربية – الإسرائيلية) التي عُقدت في جزيرة رودوس اليونانية بعد حرب 1948م تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة، تقلد محمد ناصر عدداً من المناصب فكان رئيساً للشعبة الثالثة في الأركان العامة للجيش السوري، ورئيساً للبعثة العسكرية إلى إيران، وآمراً لسلاح الطيران السوري وبقي في هذا المنصب إلى اليوم الذي اغتيل فيه.
تقلد العديد من الأوسمة العسكرية والمدنية لتفانيه في العمل الوطني منها، وسام الإخلاص مع السعف، وسام الاستحقاق السوري درجة ثانية، الوسام الحربي من الدرجة الثانية، وسام الاستحقاق اللبناني، وسام فلسطين، التذكاري اللبناني، وسام فلسطين التذكاري السوري. للشهيد ولدان، نضال، وصبا..
العقيد محمد ناصر: (هو ضابط ذكي ديناميكي، كانت تجمعني به معرفة قديمة منذ أن كان في حماة ضابطاً في جيش الشرق عام 1939- أكرم الحوراني)، و(هو من ألمع الضباط – محمد سهيل العشي) وقيل أيضاً (ألمع ضباط الجيش، وأكثرهم جرأة، وشجاعة، ومن يعرف قدرته العسكرية، وذكاءه الحاد، يعتبره من ألمع الضباط العرب جميعاً – عبد اللطيف اليونس) وقال أكرم الحوراني عنه: (أصبح العقيد محمد ناصر – بعد حركة العقداء – آمرا لسلاح الطيران، وهو ضابط ذكي ديناميكي، كانت تجمعني به معرفة قديمة منذ أن كان في حماة ضابطا في جيش الشرق عام 1939 قدم لي العقيد ناصر في أول اجتماع لي معه تقريرا محزنا عن أوضاع سلاح الطيران وكيف أن من المعدات المهمة التي كلفت الجيش ملايين الليرات مهملة في المستودعات دون قيود رسمية، بعضها يعلوه الصدأ وبعضها الآخر أصبح غير صالح للاستعمال).
الحسيني واغتيال ناصر
استيقظ السوريون صباح يوم الثلاثاء الواقع في 1/8/1950على صوت راديو دمشق (إذاعة دمشق) يقول: (نحو الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الإثنين الواقع في 31-7-1950 وقع اعتداء أثيم، ذهب ضحيته آمر سلاح الجو السوري العقيد محمد ناصر، إذ هاجمه مجهولون يمتطون سيارة وأطلقوا عليه عيارات نارية وذلك بالقرب من مخفر كيوان…. وقد نقل إلى المستشفى العسكري حيث أجريت له عملية جراحية توفي إثرها في الساعة السادسة والنصف من صباح الثلاثاء 1-8-1950… وقد تولى القضاء العسكري التحقيق في هذه الجريمة وسيشيع جثمان الفقيد من المستشفى العسكري في المزة في الساعة الثانية عشرة من هذا اليوم).
وفي التفاصيل أنه في الساعة العاشرة ليلاً من يوم الثلاثاء الواقع في 31-7-1950 «هنالك بعض المصادر تشير إلى تاريخ 26-7 –1950 كما ورد في حيثيات الحُكم». اتصل أحد العاملين في المطار العسكري بدمشق بالعقيد محمد ناصر (آمر سلاح الطيران) يطلب منه الحضور إلى المطار لأمر طارئ، ورغم؟ أنه قد حذر مراراً وتكراراً من مؤامرة تحاك ضده، وبضرورة أخذ الحيطة والحذر، لكنه لم يبال، فركب سيارته بمفرده إلى المطار، وهو يرتدي ملابسه المدنية (بنطال وقميص أبيض)، وفي طريقه إلى المطار العسكري (مطار المزة) اعترضته سيارة، ونزل منها شخصان مسلحان وأطلقا عليه النار بكثافة… وأُصيب بجراح خطرة نقل إثرها إلى المستشفى العسكري وهو في سكرات الموت، وجاءه المدعي العسكري «عبد الوهاب الأزرق» المعروف بنزاهته وجرأته، وسأل العقيد من أطلق النار، فأدخل أصبعه في فمه «حيث كان الدم يسيل منه بغزارة» وكتب على قميصه اسم شخصين. فأعاد المدعي العسكري طرح سؤاله على الشهيد مرة أخرى قائلاً: «هل أنت متأكد أنهما هما» فأومأ برأسه بالإيجاب. وفاضت روحه إلى باريها…
لقد كتب الشهيد اسم إبراهيم الحسيني رئيس الشعبة الثانية «رئيس المخابرات العسكرية» آنذاك والملازم عبد الغني قنّوت؟ ويؤكد هذه الرواية كل من تحدث عن هذه الجريمة منهم، نصوح بابيل، وأكرم الحوراني، وأندرو راثميل وهو خبير أمني بريطاني، واللواء عفيف البزري، والمحامي هاني البيطار، واللواء أمين أبو عساف… تناقلت الصحف والمجلات السورية والمصرية واللبنانية والعراقية نبأ اغتيال العقيد محمد ناصر وتداعيات هذه الجريمة النكراء، وروى العديد من هذه الصحف مجريات هذه الجريمة التي راح ضحيتها أكثر الضباط علماً ودماثة وجرأة. فكتبت مجلة «آخر ساعة المصرية» نقلاً عن مراسلها بدمشق محمد الببيلي بتاريخ 10/2/1951 مقالاً جاء فيه: (يجب ألا يغيب عن البال: أن العقيد أديب الشيشكلي هو الرجل الحديدي في سورية، لقد استطاع أثناء هيمنته على المدنيين أن يتخلص من مناوئيه، فدبر اغتيال العقيد محمد ناصر قائد سلاح الطيران مع العقيد إبراهيم الحسيني).
إبراهيم الحسيني حسب شهادة الشهود هو من قتل العقيد محمد ناصر!؟ وصدر مرسوم رئاسي عام 1950 يدين الحسيني، ومع ذلك كانت السياسة والخيانة في المرصاد، فبرأت الحسيني من جريمة القتل!؟