اقتصاد

الصندوق الرديء

| المحرر الاقتصادي

اعتمد باحثو صندوق النقد الدولي على مجموعة من التقديرات الإحصائية المكررة منذ العام 2014 بغية توصيف الوضع الاقتصادي الذي نجم عن الحرب، وقد اعترف الباحثون خلال دراستهم المنشورة منذ ثلاثة أيام بعنوان «الأثر الاقتصادي للصراعات وأزمة اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» بعدم توافر إحصائيات موثوقة، لذا اعتمدوا على تقديرات لجهات غير رسمية كالمركز السوري لبحوث السياسات، بالإضافة إلى بعض تقديرات للبنك الدولي ودراسات أخرى أوردت تقديرات معظمها عن عام 2013 وبعضها عن العام الماضي 2015.
ولعل أبرز التقديرات الواردة في دراسة الصندوق والتي تم التركيز على بعضها فقط عبر وسائل إعلام مختلفة، كان انخفاض إجمالي الناتج المحلي في 2015 إلى نصف ما كان عليه في عام 2010 وارتفاع أسعار المستهلك 300% بين آذار 2011 وأيار 2015، وتداول الليرة السورية رسمياً بعشر قيمتها أمام الدولار قبل الحرب، إذ سمح بتعويم الليرة في عام 2013. وعملت السلطات على مقاومة انخفاض قيمة الليرة المرافقة لديناميكيات التضخم عبر التدخل وتنظيم تدفق القطع عبر الحدود.
واعتمدت الدراسة على تقديرات أخرى كارتفاع معدل البطالة من 8.4% عام 2010 إلى 50% عام 2013، وانخفاض متوسط العمر للفرد من 76 عاماً إلى 52 عاماً، وارتفاع نسبة التسرب من المدارس إلى 52% عام 2014. إضافة إلى ارتفاع نسبة القروض المتعثرة لدى المصارف إلى 35% عام 2013 على حين كانت أقل من 5% عام 2010 إلى جانب تقلص موجودات المصارف والإيداعات لديها. وكان لتقرير البنك الدولي 2015 حضور فيما يخص الفقر إذ تشير التقديرات إلى أن الأزمة السورية ستدفع 170 ألف سوري جديد نحو الفقر، بالتوازي مع ازدياد فقر الفقراء.
الدراسة التي وقعت في 43 صفحة وعمل عليها ثمانية من خبراء صندوق النقد الدولي (الملخص متاح باللغة العربية وهو صفحة واحدة أما الدراسة فمتاحة باللغة الإنكليزية فقط) دعمتها مديرة الصندوق كريستين لاغارد بمقال يوضح الغرض منها في مدونة الصندوق «النافذة الاقتصادية» بعنوان «حسابات الصراع في الشرق الأوسط»، ذكرت فيها أنه «في داخل المنطقة، هناك أكثر من 20 مليون نازح، إضافة إلى 10 ملايين من اللاجئين -وهي أعداد غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولهذه الصراعات تكاليف إنسانية جسيمة يصعب الإحاطة بها. ولها عواقب اقتصادية وخيمة أيضاً. فقد دُمِّر جانب كبير من رأس المال المنتِج في مناطق الصراع، وهناك خسائر فادحة في الثروة والدخل الشخصي، كما أن رأس المال البشري يتدهور مع الافتقار إلى الوظائف والتعليم. وسيُدعى الصندوق والمجتمع الدولي إلى المساعدة في إعادة بناء الاقتصاد بمجرد انتهاء الصراع. ولذلك فقد نظرنا بمزيد من العمق في التحديات التي جلبتها هذه الصراعات وفي الخيارات المتاحة لصناع السياسات من أجل إدارة التعافي بعد انتهاء الصراعات».
إذاً الفكرة الرئيسية هي أن الصندوق جاهز لتقديم القروض وفرض أجندته الاقتصادية على الدول داخل دائرة الصراع. وليس توصيف الواقع الاقتصادي جراء الحرب بشكل أساسي، لأن الصورة المقدمة مشوشة، قياساً بمبدأ أن المدخلات الرديئة لا تنتج سوى نتائج رديئة، وهذه إشارة إلى التقديرات الرقمية القديمة وغير الموثوقة باعتراف الصندوق نفسه، علماً بأن الواقع قد يكون أسوأ مما تصوغه الأرقام المقدرة من جهات غير رسمية والمتداولة منذ العامين، وقد تكون الأمور أقل تعقيداً، في ظل تستر الحكومات على الأقل على جميع بياناتها. علماً بأن تداول هذه الأرقام من قبل بعض وسائل الإعلام قد يكون مفهوماً، ولكن الأمر غير المقبول هو اعتماد مؤسسة اقتصادية عالمية بمستوى الصندوق على تقديرات غير موثوقة وهو مصدر البيانات الاقتصادية التي تعتمد عليها الدراسات الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم وليس العكس، وهنا تكمن المفارقة!
وهكذا يصبح هدف الصندوق واضحاً، وهو لفت انتباه الفاعلين على مستوى الشرق الأوسط بأنه موجود، وهو لاعب رئيسي على المستوى الاقتصادي، ويجب أن يكون له حصة فيما ينجز هنا وهناك من اتفاقات لإنهاء الصراعات والحروب، ولعل المسوّغ الأخلاقي هذه المرة هو أزمة اللاجئين، وهنا تقول لاغارد حرفياً «على الشركاء الخارجيين، بما فيهم الصندوق، دور يؤدونه في مساعدة هذه البلدان على مواجهة الصراع والتغلب عليه في نهاية المطاف. وتعطى الأولوية القصوى لتخفيف المعاناة الإنسانية وتلبية الاحتياجات العاجلة للمتأثرين بالصراعات».
وتتابع: «وقد كان الصندوق شريكا مهما في هذه الجهود -عن طريق مراعاة المصروفات ذات الصلة باللاجئين أو الاحتياجات الأمنية في برامجنا مع العراق والأردن وتونس، وكذلك من خلال المشورة التي نقدمها بشأن السياسات وأنشطتنا في مجال بناء القدرات على مستوى المنطقة. ونأمل أيضاً أن نحفز المانحين على تقديم دعم إضافي للبلدان التي تستضيف اللاجئين. وقد تعهد المانحون في مؤتمر لندن الذي عقد في شباط الماضي لدعم سورية وبلدان المنطقة بتقديم تمويل للأنشطة الإنسانية والإنمائية في حدود 5.9 مليارات دولار أميركي في 2016 و5.5 مليارات دولار أميركي في الفترة 2017-2020. وحتى إذا تحققت هذه التعهدات، فلن تكفي للوفاء بالاحتياجات المطلوبة نظرا لضخامة الأزمة. وإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يأتي أي تمويل في هذا السياق من خلال المنح والقروض الميسرة لتخفيف العبء المالي عن البلدان المتلقية. وعلى المدى الأطول، تصبح الأولوية هي توفير المزيد من المساعدات الإنمائية للمساهمة في إعادة بناء البنية التحتية والمؤسسات، وتعزيز الصلابة الاقتصادية والاجتماعية عبر بلدان المنطقة بشكل أعم. وهنا أيضاً يقف الصندوق على استعداد للمساعدة بمجموعة أدواته الاقتصادية الكلية وخبرته المكتسبة من سنوات طويلة من العمل في مناطق ما بعد الصراعات حول العالم. أن على المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة في مساعدة بلدان المنطقة على تجاوز هذه الأزمة. ونحن على استعداد لتحمل نصيبنا من المسؤولية».

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن