ثقافة وفن

أحلام السلاطين..

| د. اسكندر لوقا 

منذ بدايات القرن السادس عشر، والمنطقة تعاني من تبعات الأحلام التي راودت سلاطين بني عثمان. ففي العام 1516، وفي سياق تحقيق الحلم الذي راود السلطان سليم الأول، دخل مدينة حلب فاتحا في اليوم السادس من شهر أيلول من العام نفسه. وفي يوم دخوله خُطب له في جوامع المدينة ولقب بخادم الحرمين الشريفين!
ولم يكتف حضرته بما حظي به بين أبناء حلب ذلك الزمان، فبادر، في اليوم نفسه، إلى إعداد جيش للزحف باتجاه دمشق. وجاء ذلك تتويجا لانتصار كان قد حققه، قبل شهر من هذا التاريخ في مرج دابق شمال مدينة حلب، عندما قهر جيش السلطان قانصوه الغوري زعيم المماليك في المرج المذكور.
واليوم، يحاول السلطان طيب رجب إردوغان، إضافة معلومة جديدة على سجل العلاقات بين بلادنا وبلاده، وذلك باقتطاع هذا الجزء أو ذاك من أرض الوطن وضمه إلى السلطنة كأنه يحاول إثبات معادلة التاريخ يعيد نفسه، وهو يدرك جيداً أن هذا المصطلح قد عفا عليه الزمن وبات من منسيات شعوب العالم بما في ذلك شعبنا العربي في سورية الذي تخلص من الاستعمار بأشكاله كافة منذ عقود طويلة.
وإذ تعاني مدينة حلب اليوم ما تعانيه من عصف الأحداث اليومية التي تقتل أطفالها وكبارها بأدوات القهر والتدمير، فإنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيه عصفا كهذا. إن تاريخها مليء بالأحداث التي واجهتها بالصمود والشجاعة والصبر في سنوات سابقة لهذا التاريخ وكانت دائماً المنتصرة على أعدائها. من ذلك– على سبيل المثال– الوقفة التي أقدم عليها أهلها في الثامن من شهر أيلول عام 1920 ردا على قرار أصدره الجنرال غورو، المفوض السامي الفرنسي في سورية، بإعلان قيام دولة حلب. فقد استقبل أهل حلب هذا القرار الهادف إلى تمزيق البلاد إلى دويلات، وإخضاعها لسيطرة الاستعمار بوقفة تجلت أبعادها الوطنية الواسعة في إحراق مراكز تجمعات الجيش الفرنسي وردع قائده عن المضي في سياسته الرامية إلى تقسيم سورية أكثر مما كانت قد مزقته اتفاقية سايكس – بيكو المشؤومة.
وفي الزمن الراهن، يبدو هذا الحلم المشترك بين «الجنرال هولاند» و«السلطان إردوغان» متناغما، أملا بانتظار أن يتحقق واقعاً على الأرض، وإن يكن، في حساب الزمن، لا يعدو كونه حلم يقظة لا بد أن يتبدد كما تبددت أحلام أسلافهما بالأمس البعيد..
يقول رائد الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر أنوريه دو بلزاك [1799– 1850]: إن داء عصرنا هو التعاطي مع الناس بفوقية التي هي نقيض التفوق بالجهد التي يصب في صالح الإنسانية.
وإلى أن يؤمن هؤلاء الحالمون في عصرنا ما تعنيه هذه المعادلة ستبقى سورية فوق كل أشكال التآمر عليها في الحاضر كما كانت بالأمس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن