رهان العمر!!
| عصام داري
في حياتنا ملايين الأسئلة التي تضربنا على مدار الساعة، ومعظم هذه الأسئلة بلا أجوبة ترضينا، أو تكون أجوبتها صعبة الفهم والإقناع.
هل تغيرت صباحاتنا وأيامنا منذ فجر التاريخ وحتى اليوم؟ أظن أنها تغيرت لأننا تغيرنا وازددنا تجربة وخبرة عبر الأيام، لكننا لم نكتشف دواخلنا، أنفسنا، حقيقتنا التي نحاول رميها في حقائب الذاكرة العتيقة.
نهرب من ذكريات قديمة نخجل منها، ومما فعلناه، لكنها تهجم على مقدمة أفكارنا وتضربنا بقوة وقسوة كي نكفر عن سيئات صارت عتيقة، لكنها لم تمت، ولا أظن أنها ستموت يوماً.
مع كل مساء، وكل صباح أشعر برغبة في التكفير عن سيئاتي وأخطائي، لعلي يوماً أعود إلى طهر الطفولة.
أبدأ يومي بابتسامة، هكذا من دون سبب، ربما لأنني ارتحت من الليلة الفائتة وشعرت أنني صرت قريباً من طهر الطفولة، وتخلصت من ذكرياتي المزعجة، وما أغبى الذكريات القديمة التي لا تسر الخاطر، أو ربما لأني أتمنى التغلب على كل ما يسبب الإزعاج والغضب، وما أكثر المنغصات والهموم والمشاكل التي تحيط بنا وتحملها لنا الأخبار على مدار الساعة، وأيضاً ربما لأنني أتوقع يوماً يحمل بعض الفرح.
أبحث عن دقائق من الفرح الهاربة من فك الأحزان، وأتمنى ألا تضيع فرص جديدة، فقد أضعنا مئات الفرص، وفي الزمن الأغبر تصبح لحظة فرح واحدة بحجم ساحات واسعة، وتتحول ابتسامة صبية إلى مهرجان بهجة وطوفان أزاهير وشلالات عطر.
نحاول الهروب من حضارة الإسمنت والحديد والتوحش إلى أمنا الطبيعة فألوان هذه الطبيعة ترسم لوحات لا دخل للإنسان بها، فينهمر شلال جمال أخاذ يخلب الأبصار، وما بين الأحمر والأخضر والأبيض تسكن الفرحة الهاربة من زمن الرعب والحزن والعتمة، تهرب من تغول فاق الخيال، لكنه موجود في كل مكان، يحيط بنا، يحاول كسرنا وهزيمتنا.
من ألوان الطبيعة الخلابة هذه سأنسج أثواباً من أحلام نعيشها منذ دهور، وأرسم لوحات تحاكي جمالاً هو أقرب للسحر والخيال والخرافة منه إلى الواقع البائس الذي حشرونا فيه واعتقدوا أنهم سجنوا أرواحنا في قمقم محكم الإغلاق، وعبر طرقات سحرية تشبه عوالم الإلياذة والأوديسة وجلجامش، نسير معاً على دروب عشق تظللها الفراشات والأزاهير وأسراب الحمام، لن توقفنا أشواك يزرعونها في طريقنا، أو ألغام سنفجرها بمن يحاول اغتيال حلم طفولة جميل عمره ملايين السنين.
تأخذنا الدنيا في الكثير من الأحيان إلى حيث لا نريد، تسوقنا كالأغنام إلى مذابح عاطفية واجتماعية واقتصادية ونفسية، فيذهب قسم من العمر في متاهات وعذابات، ونبتعد عن مسارنا الذي كنا رسمنا خطوطه العريضة، ونقف على شاطئ الخيبة نلعن حظنا العاثر، وطالما ألقينا مسؤولية فشلنا على الحظ العاثر وهو منها براء.
علينا ألا نتوه في الدروب الوعرة، وألا ننسى نعمة وروعة امتلاك بعض من نواصي الأبجدية، عندها، قد تأخذنا الدنيا إلى حيث تشتهي، لكننا نكون حينها قد عرفنا دروب العودة.
سأراهن بكل رصيدي على الفرح القادم الذي يجهز على سنوات الجمر والقهر، الفرح من صنعنا، والتفاؤل شريكنا، والأمل طريقنا، والدعوة مفتوحة لعشاق الحياة والحب والنور.