ثقافة وفن

قصيدة النثر هي مجالي الأرحب في الكتابة … طلال الغوّار لـ«الوطن»: من يبتعد عن الحب فهو ميتٌ قبل الأوان

| عامر فؤاد عامر «ت:طارق السعدوني»

نشأ بين الطبيعة، وأجواء عائلته الأدبية، وضفاف دجلة، فكانت جبلته جاهزة، لينطق أولى قصائده الشعرية في مجلة «صوت الطلبة» في مراحل الدراسة، والبدايات كانت مع الشعر العمودي، ويقول بأن لكتاب «فن تقطيع الشعر» لمؤلفه «معروف الرصافي» الفضل في تعلم ضبط القصيدة. فيما بعد كتب قصيدة التفعيلة والنثر، وجاءت دواوينه التي نذكر منها «احتفاءً بصباحات شاغرة»، و«الخروج من السماء»، والأشجار تحلق عالياً»، و«السماء تتفتح في أصابعي» وغيرها. ويضيف: «جاءت قصيدة النثر بعد حصيلة من المعرفة والتجربة الشعرية». مؤخراً أصدر الشاعر العراقي «طلال الغوار» ديوانه السادس «أول الحب أول المعنى» من دمشق. وكان قد كتب قصائده الأولى في أواخر الستينيات، وبرز شاعراً بملامح عراقية عربية منذ ثمانينيات القرن الماضي، التقيناه على هامش فاعليات معرض الكتاب الدولي 2016 ليجيبنا عن تجربته الشعرية في هذا الحوار:

تحتوي لغتك الشعرية على حالة بحثٍ دائمة، فعلى ماذا يبحث شاعرنا طلال الغوار؟
الشعر هو حالة اكتشاف وحالة بحث مستمر، في طبيعة الحال، وعندما يتوقف البحث والاكتشاف فهذا يعني أن الشعر سيتوقف، فالشاعر مأخوذ بهاجس المستقبل، واكتشاف الحياة، فدون هذه الجدوى عند الشاعر لا جدوى من شعره. عندما أكتب ومن خلال تجربتي لا بد من البحث عن الأمل حتى في أحلك الظروف، ولدى فقدان هذا الأمل لا جدوى من كتابة القصيدة. ولهذا الشعر مقترن لدي بالأمل.
كيف لك أن تنحت الأمل في اليوم الأسود؟
الشعر كالحب لا تعريف له، فهو حالة روحية. والحب ضد الموت ويولد مع الإنسان، ولكي تستمر الحياة يبقى الجدل بين الحب والموت، ويعبر الإنسان عن هذه العلاقة الجدلية بالعمل أو بالكتابة وبدوره يعبر الشاعر بالقصيدة، فهذه هي عملية تحد مستمر للموت. وكل يوم نقترب من الموت ومن أجل محاربته علينا أن نقترب من الحب. ومن يبتعد عن هذه الحالة هو ميتٌ قبل الأوان.

أنت اليوم على علاقة قوية مع قصيدة النثر فهل تفضلها على الأنواع الشعرية الأخرى؟
بعد كتابتي الشعر العمودي والتفعيلة؛ وجدت نفسي مع حصيلة من التجربة الشعرية والثقافية، فأصبحت إرهاصاتي الداخلية موجودة في قصيدة النثر على الرغم من الاستمرار في كتابة الأنواع الأخرى أيضاً. ولكن قصيدة النثر هي المجال الأرحب للكتابة بالنسبة لي ليس لسهولتها، وإنما في استيعابها للتجربة ولإرهاصاتي الداخلية، وهي قصيدة لها صعوباتها، فهناك تعويض عن الوزن بإيقاعات أخرى مختلفة، وهذه الإيقاعات متولدة من خلال اللغة والاستخدامات الخاصة لها كما الانزياحات في اللغة والدلالات التي تأخذها الكلمة وهي خاصة في قصيدة النثر. فانسيابية الفكرة واضحة أكثر في النثر من العمودي والتفعيلة. وهذا من محاسن هذا النوع، لكن البعض استسهل هذا النوع من الكتابة كونه لا يحمل الوزن، فأساؤوا للشعر وإلى قصيدة النثر، فخلطوا الخريطة الرديئة بالنثر.

ماذا تقول لهؤلاء؟
هم طارئون على الشعر. وأقول إن رواد قصيدة النثر بدءاً من الشاعرين «أدونيس»، و«محمود درويش»، وغيرهما، بدؤوا بالشعر العمودي وانتهوا بقصيدة النثر، فالنثر هو محصلة ثقافية فنية، وبهذه الحساسية المعرفية يمكن كتابة النثر، فالتدرج مطلوب، في حين يأتي الطارئ اليوم، ويبدأ من قصيدة النثر، ودون أن يكون له تجربة. فعليهم أن يتعلموا الوزن الشعري. والشعر ديوان العرب، وبدأ بالوزن، ثم جاء «أحمد خليل الفراهيدي» في زمن الدولة العباسية، ليبوب الأوزان المُنتشرة منذ أيام الجاهلية، وأصبح ذلك جزءاً من التراث الشعري، ومن ينفصل عن التراث يقع في مشكلة كبيرة. وأقول واهمون أولئك الذين يسرجون الكلمات ويعذبونها كثيراً، ولا يركبونها.

من أواخر الستينيات إلى اليوم حملت قصيدتك ملامح واضحة من التطور، فما التطور الأهم الذي طرأ عليها برأيك؟
هو في مجال اللغة، وانطلاقاً من مبدأ أؤمن به وهو أن الشعر بناء في اللغة والرؤية، فكلاهما تظافرا لدي، ولذلك يُقال إن الشعر لعبة لغة، وفي اللغة هناك لفظة وهناك كلمة واللفظة هي المادة الخام، ولكن كيف يمكن منح اللفظة دلالة جديدة ومعنى جديداً؟ يأتي ذلك من خلال الاستخدامات الخاصة للغة، ضمن سياق الجملة. كالخروج عن المألوف وعن منطقية الأشياء. ولذلك الشعر هو خروج عن المنطق وعندما يخضع للمنطق فلن يُحدث أي تغيير.

في قصائدك عودة إلى البساطة والتاريخ وملامسة لماضيك الخاص ومرحلة الطفولة، فإلى أي مدى تبقى متأثراً شعرياً في هذه الخاصة؟
أجد في الطفولة المزيد من الثر الذي يرفدني والكثير من المعاني والدلالات التي يمكن أن أوظفها في الشعر. طفولتي كانت على نهر دجلة والحقول الواسعة والأشجار على الرغم من أنها قرية بائسة فلا كهرباء ولا مظاهر للمدنية فيها، بل البساطة هي التي تحكمها، وهذه الطفولة هي التي أثرت في حياتي كثيراً، فالطفولة هي الوطن كما يقول «بودلير»، وهي الأساس والمنطلق، ولهذا عندما تحضر الطفولة في كتاباتي أؤكد انتمائي للحياة، فالطفولة هي الشعر والطفل هو شاعرٌ بطبعه.

العلاقة مع المؤسسة الثقافية السورية، ماذا تتحدث عنها، وكنت قد حضرت في فعاليات معرض الكتاب الدولي 2016؟
انتمائي لسورية هو انتمائي للعراق، وسورية مصدر للإشعاع الفكري العروبي القوي، فسورية هي المنبع وهي النعيم، ومركز إشعاع للفكر القومي العربي، فهناك علاقة روحية مع سورية، أما الظرف الذي تعيشه سورية، وهو يندرج ضمن مخطط بدأ باحتلال العراق ودمر العراق ودولته ومرافقه الحيوية، وإعادة العراق كما يود المحتل الأميركي، لتنفيذ المخطط، وهذا ما يودونه في سورية، ولذلك أقول إذا سقطت بغداد يجب ألا تسقط دمشق، فكلتاهما عاصمة عربية، وإن كانت دمشق أقدم بآلاف السنين من بغداد، فبغداد عاصمة الدولة العباسية ولها موقعها التاريخي أيضاً.
كنت رئيس وفد ثقافي قبل عامين وزرنا سورية للاطلاع على ما أصابها، لنؤكد أن المخطط واحد وإن اختلفت الأساليب، فهناك جيوش عبرت القارات واحتلت العراق، لكنها لم تتمكن من الزحف على سورية، فسخروا هؤلاء الظلاميين وضعاف النفوس ليعيثوا الفساد في سورية. فالعلاقة مع سورية ومع المؤسسة الثقافية فيها تتمثل في الواجب وهي ليست رسمية بالقدر الذي يجب أن تكون فيه شخصية وهناك مبادرة دائمة مني ومن زملائي والإخوة المثقفين في سورية، فمنذ عامين كان الاستقبال ويتم نشر ما أكتبه في الصحف المحلية السورية، وتوطدت العلاقة أكثر بالتغاضي عن أي خلافات يمكن أن توجد فالعدو واحد ومشترك. وأقول إذا سقطت دمشق ولن تسقط؛ سيخرب الوطن العربي بالكامل. وعلى كل عربي أن يتضامن مع دمشق، فالعدو الصهيوني الأميركي يتربص بكل العرب.

العلاقة بين الوعي والحب وهذا ما نستوضحه في الفلسفة، والشعر علاقته واضحة في الفلسفة، فإلى أي مدى يمكن لقصيدتك أن تحمل الوعي والحب؟
هناك من يختصر الشعر وكأنه مشاعر وأحاسيس، وهذا صحيح من حيث إن قراءة القصيدة تضيف حساً جديداً بالحياة، أو تستفز القارئ… إلخ، لكن هناك من يدخلها فكرياً أو فلسفياً فتنتهي الشعرية. لكن أنا دائماً أضع في قصيدتي جانباً فكرياً أو فلسفياً، ولا أغرقها بل أضيف لها شيئاً منه، ولهذا فإن الشعر يجب أن يعتمد على الجانب المعرفي وألا يصبح مجرد لغة ومشاعر، ويجب أن تكون هناك رؤية، والرؤية هي الموقف والأفكار والتصورات وهي مواقف فلسفية وكونية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن