ما البديل عن تنفيذ الاتفاق الروسي الأميركي؟
| القاهرة – فارس رياض الجيرودي
تعيد الغارة المنفذة من طائرات التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية على مواقع الجيش العربي السوري في جبل ثردة، طرح السؤال عن مستقبل الاتفاق الذي أعلنت موسكو وواشنطن التوصل إليه عقب ساعات طويلة من التفاوض وبعد تبادل مئات الأوراق والمسودات بما فاق حتى ما تم تبادله من مسودات خلال مرحلة التفاوض على الملف النووي الإيراني، فهل يمكن أن تتراجع واشنطن وببساطة عن اتفاق أنفق لانجازه كل هذا الزمن والجهد؟ وذلك خلال مرحلة حاسمة دخلتها معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية، لا تمتلك الإدارة الأميركية خلالها ترف إضاعة الوقت، وخصوصاً لو علمنا أن ملف داعش تحول إلى أحد الملفات الحاسمة التي يحاول المرشح الجمهوري ترامب استغلالها لتسجيل نقاط ضد منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
لا تشير البنود المعلنة من الاتفاق الروسي الأميركي إلى حل نهائي للصراع في سورية، لكنها تدل على رغبة مشتركة بتنظيم الصراع، وذلك من خلال الاتفاق على القضاء على التنظيمات التي تمتلك أجندة أو أيديولوجيا إرهابية، تهدد الأمن العالمي بما في ذلك أمن روسيا والغرب نفسه، لذلك مثل الاتفاق أول إقرار خطي أميركي بتقدم روسيا على الساحة الدولية وبتراجع الولايات المتحدة عن أولوياتها.
لكن السلوك الأميركي قبل انجاز الاتفاق وبعده يعبر عن وجود تيار داخل دوائر صنع القرار الأميركية، يعاني من صعوبة في التأقلم مع ضرورة تعامل واشنطن ولأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة بشكل ندي مع طرف آخر على الساحة الدولية، إذ طالما سوقت الولايات المتحدة نفسها للعالم كشرطي يتولى حل الصراعات والنزاعات حول العالم بنفسه حتى لو كان هو من فجرها، وهي المكانة التي أزاحتها عنها روسيا في الملف السوري تحديدا، لكن التخلي الأميركي لروسيا عن مكانة القيادة فيما يتعلق بمواجهة الإرهابيين في سورية، لم يأت طواعية بل جاء كانعكاس لموازين القوى على ساحات القتال بعد خمس سنوات ونيف، أخفقت خلالها جحافل الإرهابيين (سوريين وأجانب) في تحقيق الهدف الإستراتيجي المتمثل في إسقاط الدولة السورية، ولعل الهجوم الأخير لقوات ما سمي بجيش الفتح على أسوار حلب والذي لم يحقق أي نتيجة ولا حتى معنوية، كان الدليل القاطع الأخير على أن مؤشر الرهان على بورصة دعم الجماعات الإرهابية المقاتلة في سورية هو في انحدار مستمر، لذلك قد لا يتيح ميزان القوى المتغير على أرض المعركة غدا للولايات المتحدة، ما يتيحه اليوم من إمكانية الخروج من الحرب السورية بنتيجة هي أقرل للهزيمة تحفظ ماء الوجه، من خلال إقرار (روسي سوري) بدور أميركي مشارك في القضاء على التنظيمات الإرهابية على الأرض السورية، يزيد من رصيد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، إضافة إلى الحصول على تمثيل لحلفاء واشنطن من المعارضين السوريين في الحكومة السورية المؤقتة القادمة التي ستتولى الإشراف على انتخابات يتحدد فيها نصيب كل طرف في السلطة من خلال ما سيحصل عليه في صناديق الاقتراع، وهو الحل العقلاني الوحيد للصراع السوري الداخلي، وهو ما سبق أن اقترحته الدولة السورية قبل تفاقم الحالة الإرهابية في سورية، والتي تشكلت بنسبتها الغالبة من روافد خارجية لا علاقة لها بالصراع الطبيعي داخل المجتمع السوري بين سلطة ومعارضة.
قد يكون العدوان الأميركي الأخير على الجيش العربي السوري وما سبقه من رفع العلم الأميركي في تل أبيض، الورقة الأخيرة التي تلعبها واشنطن لتحسين وضعها التفاوضي وذلك بعد تهاوي رهانها في معركة الراموسة، أو قد تكون تلك هي الخطوة التصعيدية الضرورية الأخيرة التي تسبق رضوخ واشنطن لتنسيق عملياتها الجوية مع روسيا وبالتالي مع الدولة السورية ضمن غرفة عمليات مشتركة، لكن كل ذلك لن ينفع في تبريد نار غضب الوطنيين السوريين والشرفاء المتعاطفين معهم حول العالم، تلك النار التي يبردها فقط تذكر وقائع مثل -18 نيسان 1983 -23 تشرين الأول 1983 -20 أيلول 1984، تم خلالها دفع الولايات المتحدة للتنسيق ومن ثم التسوية مع دمشق خلال الحرب اللبنانية، وهي الخاتمة الذي تشير الوقائع على أرض المعركة في سورية إلى قرب تحقق ما يماثلها.