بين الهدنة والتصعيد
| صياح عزام
تبقى دائماً هناك مسافة بين التفاؤل والتشاؤم تحددها التغيرات والوقائع المستجدة على الأرض، مثلما هي المفاوضات الأميركية- الروسية التي أسفرت في شباط الماضي عن التوصل إلى اتفاق حول الأحداث في سورية ينتظره الجميع، وهذا ما يُذكر بالمفاوضات الفيتنامية التي كانت غالباً ما تتوقف عند أي منعطف جديد على الأرض لتعود إلى المربع الأول.
هدنة شباط الماضي التي أشرنا إليها، بدأت، كما هو معروف، قبل أن يتمكن الجيش السوري من فرض الحصار على الأحياء الشرقية في حلب الخاضعة لسيطرة الإرهابيين، إلا أن المراهنة بقيت طوال هذا الوقت على ما يمكن أن يقرره الميدان من تطورات.
بعد ذلك، سقطت هدنة الـ48 ساعة الأسبوعية التي اقترحتها روسيا واتفق عليها في جنيف، عندما تمكنت المجموعات الإرهابية قبل أكثر من شهر ونصف الشهر تقريباً وبدعم تركي سعودي قطري كبير جداً، من السيطرة على الراموسة وبعض الكليات العسكرية جنوب غرب حلب (التسليح والمدفعية والكلية الفنية الجوية)، وتحقيق نوع من التواصل إلى حد ما مع التنظيمات الإرهابية في ريف إدلب، علماً بأن ثغرة الراموسة هذه بقيت تحت مرمى نيران الجيش العربي السوري؛ ما قلل من استفادة الإرهابيين منها، من حيث إدخال المزيد من السلاح والرجال والإمدادات اللوجستية الغذائية وغيرها إلى شرق المدينة، وبالتالي، أدّى إلى فشل ما سُمي «ملحمة حلب الكبرى» التي كانت تهدف إلى طرد الجيش السوري من غرب المدينة والسيطرة على حلب كاملة.. وفي أعقاب سيطرة الجيش السوري والقوى المؤازرة له على كامل الراموسة وفرض الحصار من جديد على شرق حلب، اقتحمت هذه المسألة اجتماع (قمة العشرين) في مدينة «هاونغتشو» الصينية، إلا أن الجميع فوجئ بتعثر المفاوضات، وبادعاءات الإدارة الأميركية بأن موسكو تراجعت عن نقاط اتفق عليها، حسبما جاء على لسان المبعوث الأميركي «مايكل راتني»، منها: انسحاب الجيش السوري من طريق الكاستيلو واستمرار الطيران السوري بقصف مناطق ما تسمى المعارضة المعتدلة.
في وقت لاحق، تم التوصل إلى الهدنة الأخيرة التي بدأت في 12 أيلول الجاري أول أيام عيد الأضحى المبارك وقد التزم الجيش السوري ببنود الهدنة تماماً، إلا أن عدة مجموعات إرهابية في حلب وغيرها واصلت محاولاتها لخرق هذه الهدنة وتعطيلها، بناءً على إيعاز من مشغليها على أي حال، رغم كل ما حصل ويحصل، فإن مجموعة من الثوابت أصبح مسلماً بها دولياً، فيما يتعلق بالأوضاع في سورية، وستكون راسخة في أي تسوية مقبلة وأهمها:
التسليم بوحدة الأراضي السورية وضمان سيادة الحكومة السورية على كل هذه الأراضي، الإجماع على المحافظة على مؤسسات الدولة واستمرارها، تشكيل حكومة وحدة وطنية وصرف النظر عن صفحة الانتقال السياسي، ترك الحرية للسوريين في اختيار من يحكمهم، ثم إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب.
نعود للقول بأن التعطيل الأميركي للاتفاق الأخير يعود لعدة أسباب منها.
– إن الاتفاق حفظ للجيش السوري الرد على انتهاكات المجموعات المسلحة، وهذا ما لم يرق للسعودية وقطر.
– كذلك سيبين نشر تفاصيل الاتفاق أن الإدارة الأميركية لا تملك نفوذاً كاملاً على الجماعات الإرهابية ومن يدعمها مثل السعودية وقطر وتركيا، وهذا ما أكدته الوقائع السابقة والحالية.
– وهناك سبب مهم للتعطيل، وهو أن واشنطن ليس لديها رغبة أو «قدرة» الفصل بين جبهة النصرة والفصائل التي تسميها «معتدلة».
وفي هذا السياق جاء قصف الطائرات الأميركية لمواقع الجيش السوري في دير الزور.
إذاً، المسألة واضحة، واشنطن تريد المزيد من الاستثمار في الوقائع القائمة ومنها الإرهاب، لإعادة تشكيل المنطقة وفق رغبتها وهذا ما يتطلب المزيد من الفوضى وإطالة أمد الأزمة في سورية.