متى تبدأ الاستدارة الأوروبية؟
| د. قحطان السيوفي
ًبعد خمس سنوات ونصف السنة من الحرب الكونية على سورية الدولة والوطن يحاول السلطان العثماني الجديد أردوغان القيام بمناورة أشبه باستدارة بهلوانية… باتجاه سورية وهو الذي عمل خلال سنوات الأزمة ولا يزال؛ على تسهيل مرور عشرات الآلاف من المرتزقة الإرهابيين إليها، وساعد في تمويلهم وتسليحهم… وارتد الإرهاب منتشراً في تركيا… وبعد دراما الانقلاب العسكري الأخير توترت العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي… ووصفت مجلة «دير شبيغل» الألمانية في عددها الخاص الأخير أردوغان بالطاغية الدكتاتور.
بالمقابل فإن معظم دول الاتحاد الأوروبي بقيت، على امتداد سنوات الحرب على سورية، تدعم وتؤيد ؛ بشكل مباشر وغير مباشر؛ هذه الحرب وتتنافس في فرض العقوبات على الدولة السورية… الاتحاد الأوروبي يعاني من مشاكل وصعوبات في مقدمتها الهجرة واللاجئون… والإرهاب… إضافة إلى الضعف الاقتصادي… وجاء استفتاء بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي ليضيف مزيداً من الانقسامات والخلافات… أنجيلا ميركل، علقت على قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي بأنه قرار مؤسف ووراء كلمة «مؤسف» تكمن مخاوف متعددة … وذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» أن خطوة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تعد قفزة في الظلام، وضربة مدمرة للاتحاد الأوروبي، فلا تزال أوروبا تعاني… لدرجة أن حجم مشكلة اللاجئين حوّل ميركل إلى متوسلة تطلب المساندة من حكومات الاتحاد… كما ذكرت الفايننشال تايمز.
القومية واحدة من أقوى التقاليد الأوروبية الحديثة، وسط الكم الهائل من الأزمات التي ضربت الاتحاد الأوروبي، وهي تتخذ شكلاً مختلفاً عن القومية التي ولدت مع الثورة الفرنسية.. لأن القومية، بمظاهر جديدة، تعني، أولا، الحكومات التي تدافع عن مصالحها الوطنية داخل الاتحاد الأوروبي، وثانياً صعود العداء الشعبي اليميني للمهاجرين، وهذا يشير إلى اتجاهات سياسية واجتماعية عميقة. وهناك غياب عام للثقة بالنخبة السياسية، وبقدرة ديمقراطية القرن الحادي والعشرين الاجتماعية على توفير أمن اقتصادي وحماية الهوية، ناهيك عن مشكلة اللاجئين، والإرهاب.
الشكل الثاني للقومية في أوروبا اليوم هو الشعبوية اليمينية المتطرفة… أوروبا أصبحت عند منعطف حاسم، فالركود الاقتصادي ومشاكل الهجرة واللجوء والتشكيك في جدوى الوحدة الأوروبية والإرهاب وصعود النزعات الشعبوية لليمين المتطرف كلها قضايا تهدد تماسك الاتحاد… لا تخفي بعض حكومات أوروبا إحباطها من العلاقات القائمة على مصالح مالية واقتصادية مع دول إقليمية معروفة داعمة وممولة للإرهاب… ما يرتد سلباً على الأمن والاستقرار لشعوب دول الاتحاد الأوروبي… على شكل تفجيرات إرهابية ودماء… القارّة العجوز دخلت في دوّامة الإرهاب، فمن يزرع الريح يحصد العاصفة، وما العمليات الإرهابية التي تحصل في أوروبا إلا مقدمات لأخطار تهدد المجتمعات الأوروبية التي دعمت حكوماتها ما سُمي الربيع العربي الذي تحول إلى خريف داكن… حيث قدمت دول أوروبية أسلحة وأجهزة اتصال للمسلحين السوريين، إضافة إلى التسهيلات التي منحت للإرهابيين القادمين إلى سورية بهدف إسقاط النظام وتعميم الفوضى… ونشير هنا إلى تركيبة الجماعات الإرهابية، الفكرية والعقائدية، التي استفادت من مساحة الحرية في أوروبا وقامت بتدريس الفكر المتطرف، الذي أثر في عقول الكثير من الشباب ودفعهم باتجاه سلوك طريق الموت الانتحاري.
المفارقة أن حكومات أوروبا تتعاطى مع ظاهرة الإرهاب، كثورة عندما يضرب في سورية وإرهاب عندما يضرب في أوروبا، وهو أمر ينطبق على الفلسطينيين.
إن الواقعية تتطلب أن تبادر دول الاتحاد الأوروبي، تحت ضغط شعوبها، إلى القيام باستدارة باتجاه سورية الدولة التي تحارب الإرهاب نيابة عن العالم كله… وليس بعيداً اليوم الذي يتم فيه ذلك بقرار أوروبي لإعادة العلاقات مع الدولة السورية، وقد بدأ ذلك عملياً بعلاقات أمنية مع أجهزة الاستخبارات السورية حول نشاط الحركات الإرهابية… وستدرك الحكومات الأوروبية قريباً أن أثماناً سياسية يجب تقديمها… للمساهمة في مكافحة الإرهاب وحماية بلدانهم من خطره.