اقتصاد

«علاوة» الحوالات الخارجية

علي هاشم

 

لم يحدث أن حظي قطاع اقتصادي بما لقيته شركات الصرافة من إجماع في انتقاد أدائها: أعضاء في مجلس الشعب واتحادات نقابية وخبراء وغيرهم داوموا على تشككهم، لتنضم إليهم مؤخراً سلطات قضائية لطالما حافظت على تجنب الانخراط المباشر في الشؤون الاقتصادية..وبالطبع، فجميع دروب الانتقاد، تلك، تؤدي إلى المصرف المركزي.
العام الماضي، صححت السلطات النقدية معلومة كانت قد قدرت كتلة الحوالات الخارجية بـ8 ملايين دولار يومياً..قلصها التصحيح إلى 3.5 ملايين دولار!، وهذا التراجع الهائل (قرابة 4.5 ملايين دولار) لم يلق تفسيراً شافياً حتى الآن، ما يرخي بظلال داكنة حول علاقته المحتملة ببعض ما يعتري سوقنا النقدي.
حديث الحوالات ذو علاقة بسعي وزارة الاقتصاد المحموم لترميم قدرة احتياطياتنا من النقد الأجنبي في تأمين متطلبات النهوض بالإنتاج وانسياب قطع جديد منه عبر التصدير وإحلال السلع المحلية، ومن ثم دعم الليرة.. وما يتخلل العملية من منغصات لوجستية تفرضها الحرب، وقدرة الـ4.5 ملايين دولار «الضائعة» يومياً على سد النقص، يدفع للبحث في إمكانية تعظيم حجم الحوالات الخارجية، دعما لتمويل المستوردات السلعية والمواد الأولية، دون المساس عميقاً بالاحتياطيات وبحرية التجار في آن معاً.
ليس هناك من اتهامات محددة يمكن توجيهها إلى شركات الصرافة بشأن الحوالات، إلا أن الحديث الصريح لبعض مديريها بأن: «من يرد التلاعب بالقطع الأجنبي فلن يعدم الوسيلة»، إنما يثير الريبة حول إذا ما كان التراجع المعلن الذي يتجاوز الـ50% في كتلة الحوالات ذا علاقة بـ«تلاعب يتم وفق وسيلة ما»، أم إن الأمر ذو علاقة بإدارة سيئة للعرض والطلب على خدمات شركات الصرافة؟!
من حيث المبدأ، وبافتراض النيات السيئة، فإن حجم التراجع في كتلة الحوالات الخارجية، البالغ 4.5 ملايين دولار يومياً، يوازي وفق واقع سوق النقد حالياً أكثر من 200 مليون ليرة تنجم عن الفرق بين سعرها الذي يحدده المركزي وبين سعر السوق السوداء!! وهذه الكتلة أكثر من كافية، ليس فقط لإسالة لعاب أي شركة صرافة، بل لجرف موظف المركزي «اليتيم» الذي يراقب أداءها، في اتجاه متوقع، ما يثير التساؤل حول ما إذا كانت كتلة الحوالات قد تناقصت للنصف نتيجة الحرب حقاً؟ أم هي تقلصت على الدفاتر فقط، ويتم تداول الفارق خارج رقابة المركزي؟!
وحال افتراض النيات الحسنة بالشركات، فيمكن الإشارة إلى مشكلة بنيوية في التسعير الرسمي لدولار الحوالة، تفضي تلقائياً إلى تحويل السوق الموازي لما يشبه أرضاً واطئة تمتص القسم الأكبر من الحوالات التي يمكن لأصحابها قبض ما يزيد على 15% إن هي وصلتهم عبر مكاتبها داخل سورية أو خارجها! هذا الأمر يوفر سببا منطقياً لإحجام أصحابها عن التعامل مع شركات الصرافة النظامية، ويفسر حجم التداول الكبير لبعض الصرافين في مناطق خارج سيطرة الدولة، كما تؤكد معلومات تنشرها «المجموعة الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب»، كما قد يفسر بعضاً مما افتضحه توقف معبر «نصيب» لجهة حجم التبادل الهائل لليرة السورية في شركات الصرافة الأردنية.
السعي المعلن للمصرف المركزي نحو تعزيز «معايير أداء» شركات الصرافة يؤسس لشرعية الارتياب في عملها، ويلمح لتشككه بعملها، لكن اقتصار المعايير المنتظرة على مسائل «جودة الخدمة»، وافتقارها لتسعير مدروس لدولار الحوالة على غرار «علاوة قطع التصدير»، سيضمنان بقاء الضرر الناجم من طغيان الفارق الكبير بين السعرين، الرسمي والموازي، ويدعم جدوى تسرب صرفها إلى السوق السوداء..السوق السوداء، التي يحتمل أنها تعمل داخل شركات الصرافة، أو خارجها!!..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن