العودة إلى الجذور
| علي هاشم
في هذه اللحظة، الفاصلة بين الإعلان عن خطتها الزراعية وحصاد نتائجها، يصح القول إن الحكومة أدركت ذاتها كـ(حكومة حرب)، وعادت لتحتضن جذور الاقتصاد التي ما زالت حية وممكنة النمو، مستلهمة أسس التعاطي الجدي مع الخاصرة الحقيقية التي استهدفتها الحرب، لاستنهاض سلاسل إنتاج حقيقية تعيد قطارنا الاقتصادي المتبطل إلى شبكته السككية المعقدة.
ثمة شمولية بادية للعيان في تفاصيل الخطة الزراعية التي أقرتها الحكومة خلال جلستها الأخيرة، من تشجيع زراعة جميع المساحات (الآمنة) وإضافة رقعة وازنة إليها، إلى تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي للمحاصيل الإستراتيجية وغير الإستراتيجية التي ستتم على أساسها استعادة الكتلة الصلبة من إنتاجنا الصناعي، مروراً بدعم قطاع الإنتاج الحيواني وتسهيل حصوله على احتياجاته الأساسية واللوجستية وتحويله إلى سلعة أولية في صناعات أساسية، وصولاً إلى تشكيل مجموعات عمل مركزية وفرعية لصيقة بمواقع الإنتاج الزراعي لمعاينة تنفيذ الخطة بصرياً بعيداً عن رقابة -التقارير المزيفة- عن بعد.
وإلى حين الإفراج عن خطة وزارة الصناعة، يبدو الاقتصاد الوطني تواقاً إلى هذه الخطة الزراعية، بما يعيد للحكومة ألق دورها الحقيقي في إدارة دفة الاقتصاد من مقاعدها التأشيرية العليا، وانتشالها من الزواريب التجارية الاقتصادية الضيقة التي انزلقت إليها في غمرة تعبدها أمام محراب (تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطنين)، إلا أن الأهم، هو طبيعتها الأساسية التي تحتفظ بالاحترام للذات الوطنية، إذ يمكن لنا –مثلاً- استدانة أعظم احتياجاتنا من دون كلفة معنوية تذكر، وما أن ننطلق في استدانة وجبة الغداء.. فسيكون لهذه الذات، شأن آخر.
في الواقع، سيبقى تأمين الغذاء ومستلزماته الأساسية أحد أبرز محددات ملامحنا الوطنية التي جهدت الحرب في تدمير جسورها الإنتاجية وإطلاق قنواتها الاستيرادية، وفي ميزان الدفاع عن تلك الذات، تفصح طبيعة الخطة –مثلاً- عن أن القمح يتصدر الهموم، وهذه ميزة، إذ لم يعد من المنطق إنفاق مئات ملايين (عزيزة) من الدولارات لشراء مليون ونصف المليون طن من احتياجاتنا السنوية منه، على حين نطأ بأرجلنا 140 ألف هكتار قابلة للإضافة إلى رقعته الزراعية.
لكن، هل سيكفي ذلك؟
بين (حكومة الحرب) بحكم الواقع، و(حكومة الانتصار) بفعل المقاومة، ثمة هوّة سحيقة يجب ردمها، وتبعاً لتاريخ حكومات (الحرب) السابقة، يبرز تراخيها الفاضح في تنفيذ الخطط الزراعية، بدليل هزالة مردوديتها، وما تبعه من تقاعس أكثر فضائحية في إدارة المخرجات، بدليل البنية الهيكلية المخجلة لميزاننا التجاري.
ولعل (درب الموعظة) التي يفترض بالحكومة الحالية سلوكه، يبدأ مع جديتها في ردم الهوة بين الخطة وحسن تنفيذها (ربطاً مع خطة الصناعة العتيدة) عبر نجاحها في تأمين المتطلبات اللوجستية اللازمة لتدفقها، إلى جانب رقابتها اللصيقة على شبكات الرقابة الفرعية (اللصيقة أيضاً) وفق أعلى موثوقية عملية وإدارية تضمن ضبط التقهقر المحتمل في بعض مواضع التنفيذ، ووضع الحلول اللحظية المبتكرة لمعالجته.
ولأن الذكرى تنفع المؤمن، فعلينا التيقن من أن عقلاً ذرائعياً يتمتع بقدرة مذهلة على تسويغ الإخفاق يهيمن على بعض مفاصل الحكومة، وهو أحد أبرز قوى العطالة المتربصة بخططها، تماماً كما سارت عليه الحال خلال السنوات الطويلة من الحرب علينا.