الشاعرُ والأديبُ والباحِثُ السوري حامد حسن معروف » 1915 – 1999م»…تفرَّدَ بأسلوبهِ وقوافيهِ وكانَ بإبداعهِ الفريد نظيراً لشعراءِ عصرهِ الكبار
نضال حيدر :
«تتجلى الكلاسيكيةُ الحديثةُ في شعرِ حامد حسن بلغتِها، وتجديدِها، وخيالِها، ورمزِها على صعيدِ المفردةِ، التركيب، الجملةِ العاديّة، والجملةِ الشعريّة، ونظامِ الانتقالِ في أغراضِ القصيدةِ عبرَ نَسَقٍ فنّيٍّ معرفي، تُقدِّمُ كلُّ خطوةٍ فيهِ تشكيلةً شعريَّةً لها صُورُها، خيالها، بِناؤها، وجمالُها، وهي ترتبطُ بما قبلَها وما بعدها بجسرٍ شعريٍّ حالِمٍ يحمِلُ فنيَّةَ الانتقالِ وربطهُ العام في سياقِ القصيدةِ كلها..»..
هذا جزءٌ ممّا كتبهُ الباحثُ والناقد السوري يوسف مصطفى، عن الشاعر والباحث السوري المبدع حامد حسن معروف، الذي يُعدُّ بحق قامةً شعريِّةً وإبداعيّةً سوريَّةً فريدةً من نوعها.
»حبسو» مهد الولادة
وُلِدَ الشاعرُ والأديبُ والباحثُ السوريُّ حامد حسن معروف عام 1915م في قرية »حبسو» التابعة لمنطقةِ الدريكيش في محافظةِ طرطوس، ونشأ في قريةِ »الحريّة» التابعة للدريكيش.
تلقى حامد حسن تعليمهُ في مدرسةِ »اللاييك» بطرطوس، وفي »كلية القديس يوسف (الآداب العربية المدرسية)» وعَمِلَ في حقلِ التعليم 18عاماً، حيثُ درَّسَ اللغةَ العربيةَ وآدابَِها في الدريكيش، وكانَ مديراً لـ »الثانويةِ الأرثوذوكسيّة» في ناحية »السودا» بطرطوس.
عام1936م انتقلَ حامد حسن من وزارةِ التعليم إلى وزارةِ الثقافةِ والإرشادِ القومي، فعمِلَ في »دائرةِ المراكزِ الثقافيّة» وفي »مديريةِ التأليفِ والنشر» وفي العام 1938م أصدرَ مجلةَ »النهضة» بالاشتراك معَ الدكتور وجيه محيي الدين في طرطوس، وعَمِلَ رئيساً لتحريرها.
دمشق.. وجهتهُ الجديدة
في بدايةِ الستينياتِ من القرنِ المنصرم، انتقلَ حامد حسن إلى دمشق ليعملَ في وزارةِ الثقافة، حيثُ أشرفَ على مجلتي »أسامة» و»المعرفة» كما عُيِّنَ في لجنةِ الشعرِ في المجلسِ الأعلى للآدابِ والفنونِ والعلومِ الاجتماعية في دمشق.
في الثمانينياتِ عادَ حامد حسن إلى طرطوس، ليؤسسَّ فيها معَ بعضِ الأدباءِ فرعاً لاتحادِ الكتّابِ العرب، حيثُ تسلَّمَ رئاسةَ هذا الفرعِ سنواتٍ أربعَ تقاعدَ بعدها ليتفرغَ للشعرِ والبحث.
شاعِرٌ متفرِّد يرسمُ بماءِ اليقين
تفرَّدَ حامد حسن بأسلوبهِ وقوافيهِ، وكانَ بإبداعهِ الفريد نظيراً لشعراءِ عصرهِ الكبار أمثال: »بدوي الجبل» و»عمر أبو ريشة» و»نديم محمد» و»الجواهري» و»نزار قباني» وغيرهم. فهو حفظَ في سنٍّ مبكرة القرآنَ الكريم ومعظم خُطبِ الإمام علي »ع» والكثيرَ الكثيرَ من قصائدِ الشعراءِ الكبار، لتتفتَّقَ الموهبةُ مُبرِزَةً شاعِراً زادُهُ الإلهامُ والصورةُ الموحيةُ واللقطةُ الفريدةُ المعبِّرة، عَشِقَ الوطن ورَسَمَهُ بِمَاءِ اليقينِ حُبَّاً موزوناً ومُقفًّى، يقولُ حامد حسن في بعضٍ ممّا نَسَجتهُ قريحتهُ عن الوطن:
وطني عَشِقتُكَ ثائِراً مُتمرِّداً
وأنا ابنُ هذا الثائرِ المتمرِّدِ
سلسلتُ حُبَّكَ خمرةً وأدرتُها
للمُترَفِ الريَّانِ والعطشِ الصدي
علَّمتَني الحُبَّ الذي نادى بِهِ عيسى، وكانَ شِعارَ آلِ مُحمَّدِ
لا شيءَ غير الحبِّ مكتوبٌ على بابِ الكنيسةِ أو جِدارِ المسجِدِ
الفضاء الأول ورفاق الحرف
من الوطنِ الأكبر.. نعودُ مع حامد حسن إلى فضائِهِ الأول.. قريتهِ.. التي يقولُ في وصفِها:
قريتي في السفحِ والسفحُ… اخضِرارٌ واخضِلالُ
تحتها الوادي… وخلفَ السفحِ تمتدُّ… التِلالُ
يخصبُ الشعرُ بها… يرتاحُ… يخضلُّ الخيالُ
ملؤها… ملءُ فم الدنيا… صلاةٌ وابتهالُ
همسها نجوى… أمانيها… أمانيها «جمالُ»
لقد كانَ حامد حسن وفيّاً لأصدقائه ومحبِّيه، مدافعاً صلباً عن رِفاقِ الحرف واللفظةِ الطيِّبة والمنهج الصادق.. من قصيدتهِ في رثاءِ المبدع السوري صدقي اسماعيل الذي شَهِدَ احتضارَهُ نقرأ:
عينانِ أطبقتا على رؤيا نبي تستوحيانِ خفيَّ كلِّ مُغيَّبِ
وخضيبتانِ بكلِّ قافيةٍ غدا بهُما الضُحى الذهبيُّ غيرَ مُذهَّبِ
القصيدة.. السيرة الذاتية
ولأنّهُ »الشاعر» فقد فجرَّ رَحيلُ شريكةِ عمرهِ » أم سهيل» إلى العالم الآخر قصيدةً رأى فيها الكثيرون موجزاً شفيفاً لرحلةِ مُبدِعٍ نقرأُ منها قولهُ:
سيّان بَعدكِ شامخاتُ القصرِ عندي والترابُ
ما نفعُ هذا القلبِ إن ماتتْ أمانيهِ العِذابُ
خمسونَ عاماً أو يزيدُ مِنَ المُصاحبةِ النبيلةْ
لم يدرِ حرَّ الشمسِ عصفورانِ دارهُما خميلةْ
زوجٌ كأنَّ اللّهَ ربُّ العطفِ لم يُبدِع سِواها
تحنو على بيتي وأطفالي تزقُّهم صباها
عن هذهِ القصيدة.. سُئِل شاعرنا الكبير في حوارٍ صحفي معه «الثورة 29 /5/1999» فقال: »قصيدتي في المرحومة أم سهيل سيرة ذاتية لزوجين عاشا زمناً طويلاً أقلّهُ ثلاثٌ وخمسونَ سنةً.. عندما تتناول هذهِ الحياة بحذافيرها وبمنطلقاتها.. وبما يعتريها من ظروفِ وحوادثِ الحياة.. فإذا تقيَّدتَ بقافيةٍ واحدة قد لا تُساعِدُكَ القافيةُ لو أتيتَ بكلِّ مفرداتِ اللغةِ العربيةِ التي تخدمكَ في هذهِ القصيدة… لذلك كانَ التلوّنُ في القوافي، في كلِّ قافيةٍ تستطيعُ أن تسردَ فيها فكرةً من فكركَ التي مرّت عليكَ في الحياة.. والسردُ في تعدُّدِ هذهِ القوافي، لتوسيعِ أُفقِ القصيدةِ.. ولتناولِ كلِّ الحياةِ التي عَبَرنا بها…».
سيرة إبداعية حافلة وغنية
تنوَّعتْ مؤلفاتُهُ المهمة بينَ الشعر والدراسة : »ثورة العاطفة – شعر في أربعة أجزاء 1939م، المهوى السحيق – تمثيلية شعرية 1942م، في سبيل الحقيقة والتاريخ – دراسة 1945م، عبق – شعر1960م، أفراح الريف – أوبريت 1964م، الريف الثائر – أوبريت 1965م، أضاميم الأصيل – شعر 1968م، الخنساء – مسرحية 1968م، المكزون السنجاري – دراسة (ج1, 1970م /ج2, 1972م/ج3, 1988م/ج4, 2000م)، صالح العلي ثائراً وشاعراً – دراسة ومختارات 1974م، و: الشعر بنيةً وتشريحاً- دراسة 1987م».
قصيدةٌ فقهيّة في الجامع الأموي
يُشارُ أيضاً إلى أنَّ الشاعر حامد حسن هو مؤلف نشيد »جامعة الدول العربية» عام 1948، حيثُ اختيرَ نِتاجهُ الشعري من بينِ أكثر من 65 شاعراً من شعراء القمة العرب، وهو أيضاً مؤلف نشيد »الاتحاد النسائي العربي» ويُذكرُ أيضاً أنهُ وبأمرٍ من الرئيسِ الخالد »حافظ الأسد» تمَّ وضعُ قصيدةٍ فقهية له مطلية بماءِ الذهب في قاعةِ الشرف في »الجامع الأموي» في دمشق، وبقية القصيدة في باحة الجامع.
تنتظِرُ… وننتظِرُ
رحلَ الشاعر والباحث السوري حامد حسن معروف في 3 تموز 1999م مخلِّفَاً وراءَهُ آثاراً أدبيةً لا تُقَدَّرُ بثمن، سواءٌ تلكَ الدُررُ المنشورة، أو مثيلاتُها التي لم تَرَ النورَ، وهي كثيرةٌ.. تنتظِرُ… وننتظِرُ من ينقلُها إلى دائِرَةِ الضوءِ والاهتمام.