اغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر … له مواقف وطنية بارزة فيما يتعلق بالحرب على سورية.. وكشف ممارسة النظام السعودي نهجاً معادياً لقضايا الأمة العربية
اغتيل الكاتب الأردني ناهض حتر صباح أمس أمام المحكمة بالعاصمة عمّان بثلاث طلقات، وقد تم القبض على القاتل، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية.
وأفاد شهود عيان أن مسلحاً مجهولاً فتح النار على حتر أمام قصر العدل بمنطقة العبدلي وسط عمّان، وأطلق المسلح ثلاث طلقات على الكاتب قبل إلقاء القبض عليه.
وذكرت صحيفة أردنية أن القاتل دخل الأردن قادماً من بلد مجاور، وأنه كان يرتدي «دشداشة» وهو ذو لحية طويلة.
وقالت إدارة الإعلام الأمني في مديرية الأمن العام: إنه «صباح اليوم أقدم أحد الأشخاص على إطلاق عيارات نارية باتجاه الكاتب ناهض حتر بالقرب من قصر العدل في منطقه العبدلي أثناء توجهه لحضور جلسة لدى المحكمة وأسعف على الفور إلى المستشفى، وما لبث أن فارق الحياة».
وأضافت: إنه «فور إطلاق النار تمكن رجال الأمن العام المتواجدون على مقربة من الحادث من القبض على مطلق النار والسلاح الناري الذي كان بحوزته وبوشرت التحقيقات معه للوقوف على ملابسات الحادثة».
وحمّل ذوو الكاتب ناهض حتر السلطات الأردنية المسؤولية لعدم حمايته، وقالوا إن حياة حتر كانت مهددة وإن الحكومة لم تقم بما يلزم لحمايته.
شاهد عيان
قال محمد الجغبير، أحد الذين كانوا يرافقونه لحظة اغتياله، أنه تم إطلاق النار على الكاتب في تمام الساعة التاسعة والربع صباحاً عند البوابة الخارجية لقصر العدل والمخصصة لدخول الرجال.
وإن إطلاق النار تم من مسافة متر من مسدس (عيار 9 ملم)، لونه فضي، في حين كان الجاني يتمتم بصوت منخفض ولم يفهم كلامه، وكان يرتدي ثوباً رمادياً «دشداشة»، وهو ذو لحية طويلة وله شاربان خفيفان.
ووفق الجغبير، تلقى حتر أول رصاصة في صدره ما أدى إلى سقوطه أرضاً، قبل أن يتلقى رصاصات عدة منها في مختلف أنحاء جسمه.
وحاول الجاني الفرار من خلال كراج المركبات الخاص بالمحكمة، لكن ابن الكاتب ومجموعة من المواطنين إضافة إلى رجال الأمن طاردوه وتمكنوا من إلقاء القبض عليه.
وأشار الجغبير إلى عدم وجود أي نوع من الحماية للكاتب.
جدل كبير
يأتي الحادث بعد نحو أسبوعين على إطلاق سراحه بكفالة مالية إثر نشره رسماً كاريكاتيرياً يسخر من «داعش» اتهم أنه «يمس الذات الإلهية»، وقد أثار جدلاً كبيراً في المجتمع الأردني.
وأوقف حتر (56 عاماً) في 13 آب الماضي عقب نشر الكاريكاتير على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إلا أنه ما لبث أن حذف المنشور.
ووجه مدعي عام عمّان إلى الكاتب اليساري تهمتي «إثارة النعرات المذهبية» و«إهانة المعتقد الديني»، وأعلن حظر النشر في القضية. ونفى حتر حينها ما اتهم به مؤكداً أنه «غير مذنب».
وكانت عقوبة أي من التهمتين المسندتين لحتر قد تصل في حال إدانته إلى الحبس ثلاث سنوات.
وكان رئيس الوزراء هاني الملقي طلب من وزير الداخلية سلامة حماد استدعاء حتر واتخاذ الإجراءات القانونية بحقه لنشره «مادة مسيئة».
بلاغ جماعي
ولم يفلح قرار سلطات التحقيق الأردنية بحظر النشر في قضية ناهض حتر في احتواء الجدل الذي أثارته هذه القضية شعبياً بعد حبسه أسبوعاً على ذمة التحقيق بتهمتي الترويج للعنصرية والفتنة والإساءة للشعور الديني.
عشرات المواطنين والنشطاء تجمعوا في قصر العدل أمس لتقديم بلاغ جماعي ضد الكاتب حتر بعدما أعاد نشر رسم كاريكاتوري مستفز تضمن ما اعتبر إساءة للذات الإلهية بينما اعتبره الكاتب نفسه قبل التوقيف إشارة لـ«رب الإرهابيين» في داعش.
بكل الأحوال قررت حظر النشر لاحتواء الجدل ببعده الطائفي الحساس خصوصاً أن المركز الديني لبحوث التعايش الديني وباسم الكنيسة التي تتبناه تبرأت من واقعة الكاتب حتر.
ودعا رئيس المركز الأب نبيل حداد لسن تشريع وقانون يحاسب كل من يسيء للدين وصدرت عن رجالات الدين المسيحي في الأردن مناشدات ترفض تعميم ما نشره حتر على المسيحيين في الأردن.
وكتب الوزير السابق محمد داوودية مقالاً اعتبر فيه بأن حتر أخطأ لكنه لا يقصد وسيحاسبه القانون، داعياً إلى وقف حملات التحريض ضد الرجل على أساس تصفية الخلافات السياسية معه.
صحيفة «الغد» قالت عبر موقعها إن محرك الدعوى ضد حتر باسم الحق العام هو رئيس الوزراء شخصياً هاني الملقي الذي أمر وزارة الداخلية بإجراء التحقيقات اللازمة والقيام بالإجراءات المطلوبة حيث تم إيداع الكاتب المثير للجدل للقضاء.
هذا ما قاله
وكان حتر قد نفى الإساءة للذات الإلهية، قائلاً إن الكاريكاتير «يسخر من الإرهابيين وتصورهم للرب والجنة، ولا يمس الذات الإلهية من قريب أو بعيد، بل هو تنزيه لمفهوم الألوهة عما يروجه الإرهابيون».
وقال في منشور له على الفيسبوك: «الذين غضبوا من هذا الرسم نوعان.. أناس طيبون لم يفهموا المقصود بأنه سخرية من الإرهابيين وتنزيه للذات الإلهية عما يتخيل العقل الإرهابي؛ وهؤلاء موضع احترامي وتقديري، وإخونج داعشيون يحملون الخيال المريض نفسه لعلاقة الإنسان بالذات الإلهية. وهؤلاء استغلوا الرسم لتصفية حسابات سياسية لا علاقة لها بما يزعمون».
بيان عائلي
في بيان لذوي الكاتب أعلنوا من خلاله رفض استلام الجثة حتى محاسبة المحرضين، الذين زرعوا خطاب الفتنة.
وأدان نقيب الصحفيين الأردنيين طارق المومني قتل الكاتب ناهض حتر، قائلاً: ندين هذا العمل الجبان بأقسى العبارات، ونعتبره تطاولاً على القانون وخروجاً عليه، ولا يجوز أن يؤدي الخلاف في الفكر إلى هذه النتيجة.
كما دانت نقابة المهندسين الأردنيين جريمة الاغتيال في بيان قالت فيه: «نحن في دولة قانون ومؤسسات تتمتع بقضاء نزيه وعادل وخاصة أن القضية ما زالت معروضة على القضاء ولم يصدر فيها حكم قضائي، ولا يجوز لأحد كائنا من كان أن ينصب نفسه قاضيا ويصدر الحكم وينفذه بنفسه».
من هو؟
ناهض حتر هو كاتب وصحفي يساري أردني من مواليد عام 1960، تخرج في الجامعة الأردنية، قسم علم الاجتماع والفلسفة ويحمل درجة الماجستير في الفكر السلفي المعاصر.
يعتبر عرّاب الحركة الوطنية الأردنية في العقد الأول من القرن الحالي.
كانت له مواقف وطنية بارزة فيما يتعلق بالحرب على سورية حيث أكد في العديد من كتاباته الصحفية أن سورية تشهد عدواناً خارجياً شنه تحالف مكون من الإمبريالية الغربية والرجعية العربية والعثمانية، داعياً إلى الوقوف صفاً واحداً في مواجهة الإرهاب، ومبيناً أكثر من مرة أن الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً والغرب عموماً استخدموا الإرهاب التكفيري كأداة رئيسية في سياساتهم الخارجية بهدف منع التعددية القطبية بأي ثمن ومواجهة السعي الدولي والروسي لقيام عالم متعدد الأقطاب.
كما انتقد سياسات النظام السعودي ودوره في المنطقة العربية والإقليمية، مشيراً إلى أن السعودية تمارس نهجاً معادياً لقضايا الأمة العربية ومغايراً لنهج التضامن العربي في ظل هيمنتها على دول الخليج واستقطاب بعض الدول العربية الأخرى إلى محورها المشبوه والمتحالف مع العدو الإسرائيلي.
سُجن مرات عديدة أطولها في الأعوام77 و79 و96 تعرض لمحاولة اغتيال سنة 98 أدت به إلى إجراء سلسلة من العمليات الجراحية، اضطر لمغادرة البلاد لأسباب أمنية إلى لبنان عام 1998.
له عدة إسهامات فكرية في نقد الإسلام السياسي، والفكر القومي والتجربة الماركسية العربية. إسهامه الأساسي في دراسة التكوين الاجتماعي الأردني.
يكتب حتر في صحيفة الأخبار اللبنانية، موقوف عن الكتابة في الصحافة الأردنية منذ أيلول 2008.
من مؤلفاته: «دراسات في فلسفة حركة التحرر الوطني»، «الخاسرون: هل يمكن تغيير شروط اللعبة؟»، و«في نقد الليبرالية الجديدة، الليبرالية ضد الديمقراطية»، و«وقائع الصراع الاجتماعي في الأردن في التسعينيات»، و«الملك حسين بقلم يساري أردني»، و«المقاومة اللبنانية تقرع أبواب التاريخ»، و«العراق ومأزق المشروع الإمبراطوري الأميركي».