صناعة العنف
| صياح عزام
يجب ألا ينسى العالم دائماً أن العنف بدأ من (هوليوود) على شكل شرائط سينمائية يلعب فيها الخيال دوراً كبيراً، ثم نما هذا العنف وتطور وصولاً إلى منظمات (المافيا).
ولعل الكثير من الناس يتذكرون بعض أفلام العنف الهوليوودية، ومنها فيلم حول اختطاف الطائرات، هذه الظاهرة المرعبة التي لم تكن قد وجدت على أرض الواقع، ولم يسبق أن استخدمها أحد في أي مكان من العالم. ومن المؤكد أن الفيلم المذكور وأمثاله قد وضع الأساس لهذه الظاهرة العنيفة، ودفع المتمردين بسبب أو دون سبب إلى تحويل ما ورد في ذلك الفيلم إلى فعل حقيقي يتوافق مع الخيال الشرير.
في هذا النموذج فقط ما يكفي للدلالة على دور مؤسسة التحريض في إنشاء مدارس العنف التي روعت العالم، وخلقت حالة من الخوف في السفر جواً، ولم يمضِ وقت طويل حتى انتقلت الجريمة إلى القطارات والسيارات، ليكون البر مسرحاً آخر للرعب والاختطاف أيضاً.
مهما تقادم الزمن يستعيد الناس في ذاكرتهم بين الحين والآخر أفلام (الكاوبوي) وما تركته في النفوس من تبرير غير أخلاقي لإبادة سكان أمريكا الأصليين من الهنود الحمر، وما أقدم عليه السكان القادمون من أوروبا من إخلاء الأرض الجديدة وكل من يزاحم على السيطرة عليها.
إن ذلك تاريخ معروف وموثق، حيث جسّدت أفلام (الكاوبوي) معالمه بالصوت والصورة، مسجلة بنجاح لوحات لا تنسى عن مجازر راح ضحيتها قوم أبرياء لا ذنب لهم إلا تشبثهم بأرضهم التي ولدوا فيها، وحيث عاش ومات أسلافهم وأجدادهم.
اليوم يستطيع الإنسان العادي أن يجد أمثلة لحروب «الكاوبوي» في أكثر من مكان وخاصة على الأرض العربية المغمورة بالدم، فقد لعبت ثقافة العنف دورها المطلوب في «مَسْخ» المشاعر البشرية وتحويلها إلى رصيد يستخدمه قادة الحروب وتجار الموت في أي لحظة وأي مكان، ولم تتورّع بعض أجهزة الإعلام المنحرف من أن تمنح قاتل الأبرياء صفة البطولة واختراق الموانع المادية والأخلاقية والروحية للوصول إلى غايته الرخيصة. وما حدث مؤخراً ومنذ أيام للنائبة البريطانية «جوكوكس» دليل حيّ على رسوخ أساليب العنف والإرهاب في الدول التي تُسمّي نفسها الديمقراطية وتواصل هجومها على ما تُسمّيه العنف العربي أو الإسلامي، متجاهلةً مصدر العنف الأكبر وينابيعه الأولى، حيث أشارت التحقيقات الأولية في مقتل النائبة البريطانية إلى أن القاتل ينتمي إلى جماعة من النازيين مقرّها الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى بناء أمة من «البيض» فقط.
إن العنف بأشكاله المختلفة، ومن أي زاوية أتى وفي أي مكان انتشر مرفوض ومُدان وجبان في الوقت نفسه، وليس لأحد- مهما كانت المبرّرات والدعاوى التي يطرحها- أن يُبّرر لأي إنسان أو جماعة تُفسد حياة البشرية وتعمل على ترويع المجتمعات الآمنة والتضحية بالأبرياء، وإحلال الرصاص بدلاً من الكلمة، والقنبلة بدلاً من الرأي الآخر، كما يجري في سورية الآن، حيث تطلق الولايات المتحدة وحلفاؤها على قَتَلة السوريين بأنهم «معارضة معتدلة»، وتبّرر لهم جرائمهم البشعة.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى ناحية مهمة، وهي أن العلم قد حقّق نجاحات مُبهرة في تقدم الإنسانية مادياً، وساعد على تطوير وسائل الاتصال وتحطيم أسوار العزلة بين البشر، إلا أن منجزاته لم تكن كلها خالصة لوجه الخير، بل انحرف بها البعض ليحول جزءاً منها إلى قوة للتدمير وزيادة حجم العنف والإرهاب، ما جعل الكثير من العلماء يتمنون لو أن العلم لم يتطور بالكيفية التي سار عليها، حيث تبقى الحياة البشرية آمنة من مخاطر الإرهاب والموت والعنف الدموي ووسائل التدمير الشامل.