بمناسبة الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية العربية السورية … طريق الحرير يربط الماضي بالحاضر .. والشدائد والمحن تظهر الصديق الصدوق
| تشي تشيانجين
تصادف هذه السنة الذكرى الستون لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية العربية السورية. تعود الصداقة الصينية السورية إلى آلاف السنين واستمر التواصل والتبادل بين الشعبين منذ الزمن القديم من دون انقطاع، كان طريق الحرير يشهد التبادل التجاري والثقافي بين الصين وسورية وزراعة بذور الصداقة بينهما. أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الصين وسورية في آب عام 1956م ما فتح صفحة جديدة للصداقة التقليدية بين البلدين. وكانت سورية من أوائل الدول العربية التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين.
بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية، صمدت العلاقات الصينية السورية أمام تغيرات الأوضاع الدولية وتبادل البلدان دعماً وتفاهماً في مسيرة مواجهة الإمبريالية والاستعمارية ومحاولات النيل من الاستقلال الوطني وفي القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى لبعضهما بعضاً وفي عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية. فشهد التعاون بين البلدين في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة إلخ تطوراً مستمراً وشاملاً. قام الرئيس بشار الأسد بزيارته الأولى إلى الصين في حزيران عام 2004م وهو أول رئيس سوري زار الصين، الأمر الذي أضفى حيوية جديدة للعلاقات الثنائية. ازداد حجم التبادل التجاري بين الصين وسورية من 170 مليون دولار عام 2000م إلى 2.48 مليار دولار عام 2010م وكانت عشرات الشركات الصينية في سورية تعمل في مجالات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي والمقاولة الهندسية وبناء البنى التحتية إلخ وساهمت مساهمات مهمة في دفع عجلة التطور الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز رفاهية الشعب السوري.
لم يغب الشعب السوري عن خاطر الحكومة الصينية والشعب الصيني ولم يغب دور الصين في الأزمة السورية بعد اندلاعها لأكثر من خمس سنوات. تتحمل الصين مسؤوليتها وواجباتها كدولة كبيرة وعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتحافظ على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وترفض تدخلاً خارجياً وتدعم حق السوريين في تقرير مستقبل بلادهم. استخدمت الصين حق النقض في مجلس الأمن 4 مرات لحماية سيادة ووحدة أراضي سورية. لم تأل الصين جهودها في سبيل النصح بالتصالح والحث على التفاوض لإيجاد حل سياسي للقضية السورية وتلعب دوراً مهماً وإيجابياً في مجلس الأمن والمجموعة الدولية لدعم سورية والآليات الدولية الأخرى. إن الإرهاب يشكل تهديداً مشتركاً للعالم بأجمعه، فتدعم الصين جهود سورية لمكافحة الإرهاب التي ساهمت بشكل كبير في حماية أمن دول المنطقة الشرق الأوسط والدول الأخرى في العالم.
تقف الأزمة السورية الآن عند مفترق الطرق وشهدت الأوضاع الميدانية والإنسانية والسياسية تقدماً وتراجعاً. تعرب الحكومة الصينية عن قلقها من ذلك وتصر على أن المفاوضات السياسية هي المخرج الوحيد للأزمة السورية وتأمل أن ينفذ اتفاق وقف إطلاق النار بشكل جدي. من الضروري أن تستمع الدول المعنية إلى آراء السوريين وتحترم سيادة سورية وحدة أراضيها، وأن الشعب السوري وحده صاحب الحق في تقرير مصير سورية.
تستمر الصين كصديق وشريك وشقيق لسورية في تقديم مساعدات إنسانية للسوريين وفق احتياجاتهم سواء كانوا في داخل الأرضي السورية أم في الدول المجاورة وتسعى من منظور طويل الأمد إلى تعزيز تعاون البلدين في مجالات تدريب الكوادر والتعليم ومكافحة الإرهاب وتشجع الأصدقاء السوريين للذهاب إلى الصين للقيام بأعمال تجارية وجولات اطلاعية وذلك من أجل تمهيد الطريق أمام المزيد من التعاون العملي وربط خطط التنمية الوطنية بين البلدين.
يشكل السلام والتنمية محوري عالمنا اليوم، لذا فدعا الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى العمل المشترك بين الصين والدول العربية من أجل إنجاح مبادرة «الحزام والطريق» ولاقت فكرته قبولاً واسعاً من الدول العربية بما فيها سورية. تقع سورية في الطرف الغربي لطريق الحرير وهي عقدة المواصلات بين القارات الثلاث الآسيوية والأوروبية والإفريقية. كانت مدينة تدمر لؤلؤة لامعة على هذا الطريق. ومن دون أي شك ستكون سورية في المستقبل نقطة مهمة لطريق الحرير الجديد في منطقة الشرق الأوسط. تتطابق مبادرة «الحزام والطريق» بشكل كبير مع إستراتيجية «التوجه إلى الشرق» المطروحة من فخامة الرئيس بشار الأسد وهناك آفاق واسعة وواعدة أمام التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي والإنساني إلخ بين البلدين. تتمتع الشركات الصينية بالخبرات الواسعة والميزات المالية والتكنولوجية ووفرة الكوادر وتستعد لدعم الشعب السوري في تحقيق حلمه لإعادة بناء الوطن في أسرع وقت ممكن.
يقول المثل الصيني القديم: إن الشدائد والمحن تظهر الصديق الصدوق، يعيش الدبلوماسيون الصينيون مع الشعب السوري خلال أكثر من خمس سنوات ويشاطر الشعب الصيني الآلام المصاب للشعب السوري ولم تغير الصين دعمها لسورية. وأثق بأنه عندما نضع حداً نهائياً للأزمة الراهنة ونصل إلى بر الأمان، ستزداد متانة الصداقة الصينية السورية والتي تمر بآلاف سنين مع مرور الزمان مثل سور الصين العظيم ومدينة تدمر اللتين تنتصبان شامختين حتى اليوم.