تحرك نحو الحل أم ابتزاز بخلفية الإرهاب..!؟
| عبد السلام حجاب
لم يستبعد كثيرون، أن كلمات رؤساء الوفود والاتصالات والمحادثات التي جرت في أثناء اجتماعات الدورة الحادية والسبعين للأمم المتحدة في نيويورك يمكن أن تعبد الطريق لتحرك سياسي ودبلوماسي مشترك بغرض تفعيل جهد دولي لمحاربة الإرهاب من دون انتقائية معطلة، والعمل على استئناف العملية السياسية عبر حوار سوري- سوري في جنيف بقيادة سورية ومن دون شروط مسبقة، معولين على ما جاء في خطبة الرئيس الأميركي أوباما الوعظية أمام هذا المحفل الدولي من أنه.. لا بديل من الحل السياسي للأزمة في سورية.. لكن الوقائع السياسية والميدانية الأميركية اللاحقة جاءت محبطة للتوقعات المفترضة، مؤكدة ثوابت الإستراتيجية الأميركية في سورية خاصة والمنطقة عامة. إذ تبين للمراقب السياسي أنه كلام أراد منه أوباما تحسين صورته في آخر ظهور دولي، ومحاولة لرأب صدع جرى الترويج له عن خلافات بالرؤية والهدف بين الخارجية الأميركية والبنتاغون.
ولعل هذا ما كشفته بوضوح حيثيات فشل اجتماعين متتالين وخروجهما من دون نتائج تذكر، عقدهما وزراء خارجية دول ما يسمى مجموعة العمل الدولية لدعم سورية برئاسة الوزيرين لافروف وكيري وحضور المبعوث الدولي دي ميستورا، حيث تأكد أن عقدة تطبيق بنود الاتفاق الروسي الأميركي في التاسع من أيلول الحالي في جنيف، تتمثل بعدم التزام واشنطن بما يجب القيام به من فصل معارضتها المعتدلة عن داعش وجبهة النصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي أعلنت رفضها وعدم التزامها بنظام التهدئة وقرار وقف الأعمال القتالية في سورية. وهي أسباب لا تحول دون تنفيذ بنود الاتفاق الذي التزم به الجانبان الروسي والأميركي فحسب، بل إن الاتفاق برمته بات على المحك بعد أن قامت طائرات أميركية حربية ومشاركة طائرات من تحالفها الدولي بضرب مواقع موصوفة ومعروفة مسبقاً للجيش السوري في جبل الثردة ومحيطه بدير الزور.
وقد أكد الوزير الروسي لافروف أنه على أعضاء المجموعة الدولية لدعم سورية أن يعطوا ضمانات بالتزام المجموعات التي لهم تأثير فيها لضمان تنفيذ أي اتفاق لوقف الأعمال القتالية موضحاً أن الحل الشامل يكون بعودة الحوار السوري- السوري. والاتفاق الروسي الأميركي يقرب استئنافه. ولابد من الالتزام بالقانون الدولي والتنسيق مع الحكومة السورية بشأن أي عملية سياسية في سورية.
لكن السؤال، هل يكفي أن يعلن الوزير الأميركي كيري أن الاتفاق لم يمت «أم إن وراء الأكمة ما وراءها؟ إن أحداًَ ليس باستطاعته الجزم ما إذا كان هناك تحرك سياسي ودبلوماسي جدي نحو حل سياسي يلبي حقوق وإرادة السوريين وقراراهم الوطني المستقل عبر استئناف العملية السياسية لحوار سوري سوري في جنيف تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، أم إن الابتزاز السياسي والميداني بخلفيه الإرهاب والاستثمار فيه سيبقى سياسة معتمدة للتحالف الدولي الذي تتزعمه أميركا وتنفذه توابع سياسية من حكام بني سعود ومشيخة قطر ونظام أردوغان في تركيا وأذرعه الإرهابية في شمال سورية إضافة إلى الدعم العلني المتعدد الأشكال الذي يقدمه الكيان الإسرائيلي للتنظيمات الإرهابية في جنوب سورية، مضافاً إليها سياسات دونية لعدد من دول الغرب الاستعماري.
ألا يصبح عندئذ متاحاً القول إن مصالح واشنطن تكمن بإطالة أمد الأزمة في سورية، وتوريث الإدارة الأميركية المقبلة عدداً من القضايا الساخنة والأزمات المتفجرة، واستنتاجاً فإنها وفق ما تبعث به من معطيات تعكس اتجاهات وتوجهات أبرزها:
1- السعي إلى تأكيد هيمنتها السياسية والعسكرية على اعتبار أن عالماً متعدد الأقطاب، وإن بدأت معالمه بالظهور إلا أنه بحاجة إلى سنوات ليصبح أمراً واقعاً.
2- الاندفاع المباشر من دون دفع أثمان مالية أو بشرية لممارسة دور الأصيل في المواقع التي تجد فيها مصلحة سياسية أو جيوسياسية لدعم مجموعاتها الإرهابية المعتدلة دفاعاً عما تسميه بالديمقراطية على الطريقة الأميركية.
3- اعتماد ممارسة سياسة الأدوار الأصيلة لكل من الكيان الإسرائيلي ونظام أردوغان في دعم ومساندة التنظيمات الإرهابية في سورية.
4- مواصلة استخدام المجموعات الإرهابية في سورية كورقة ضاغطة لإطالة عمر الأزمة وتحقيق مكاسب لحسابها تلبي شهوة الطامعين لمنتجاتها السياسية من صنوف المعارضات وشعاراتها الهزيلة في حسابات الواقع السياسية والعسكرية.
وليس مبالغة القول إن مثل هذه الاتجاهات والتوجهات، تعكس ابتعاداً عن الواقعية السياسية التي يفرض العمل بموجبها الاتفاق الروسي الأميركي في جنيف بجميع بنوده حتى الحساسة في زمن تؤكد الوقائع والمعطيات أن العالم يخطو إلى الأمام باتجاه منع الاستفراد والدفاع عن القوانين الدولية وحقوق الدول والشعوب، وما كان ممكناً بالأمس القريب أصبح غير ممكن وليس صالحاً في عالم جديد.
وعليه فقد دعا وزير خارجية النمسا في كلمة بلاده أمام المحفل الدولي في نيويورك إلى تضافر
الجهود الدولية لمحاربة إرهاب داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، لأن ذلك هو الحل الأمثل لإنهاء التطرف في العالم.
وشدد الوزير لافروف في كلمة بلاده على ضرورة تحقيق طلب الأمم المتحدة الخاص بالفصل بين ما يسمى «المعارضة المعتدلة» وبين الإرهابيين لافتاً إلى أن المسؤولية الجذرية في هذا الأمر تقع على عاتق الولايات المتحدة.
وقال: «إن القضاء على تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين والمجموعات الأخرى المنسجمة معهما هو السبيل الوحيد لحل الأزمة في سورية وما يرافقها من وضع إنساني مؤسف كما أنه مفتاح تعزيز نظام وقف الأعمال القتالية وتحقيق المصالحة الوطنية.
ولا شك بأن عدم الالتزام بمثل هذه المفاتيح الملزمة أصلاً بموجب الاتفاق الروسي الأميركي لا يعزز الشبهات حول الأطراف المنخرطة بدعم الإرهاب والاستثمار فيه فحسب، بل يكشف أيضاً وجود إرادة بإنقاذ جبهة النصرة الإرهابية من العقاب وتوفير الحماية لها من ضربات الجيش السوري والقوى الرديفة والطيران الحربي الروسي.
وعليه فإنه لم يعد مفيداً حتى في مفهوم الميكيافيلية السياسية الأميركية، كما يرى محللون سياسيون رفض الجنرال دنيفورد قائد الجيوش الأميركية التعامل مع روسيا عسكرياً واستخبارياً وأن واشنطن ليست مستعدة للانضمام إلى روسيا في محاربة الإرهاب واقعة في قعر الزجاجة التي تتضمن شروطها التي تجاوزها الزمن وتخطتها الأحداث. وكان لافروف دعا نظيره الأميركي كيري إلى مشاركة الجيش الأميركي في آلية مراقبة وقف إطلاق النار في سورية.
لقد كان الرئيس بشار الأسد واضحاً في حديثه إلى وكالة أسيوشيتد برس الأميركية حيث قال: «إن أميركا لا تملك الإرادة للعمل ضد تنظيمي جبهة النصرة وداعش لأنها تعتقد أن هذه التنظيمات الإرهابية ورقة بيدها تستطيع استعمالها لتحقيق أهدافها الخاصة.
وليس خافياً أن السوريين سواء على صعيد محاربة الإرهاب أو على صعيد المصالحات الوطنية يؤكدون إصرارهم على تحقيق النصر مهما بلغت التحديات وعلى الحل وفق إرادتهم السياسية والعسكرية، وأنهم ماضون طال الزمن أم قصر.