من يرسم المعايير؟
| د. اسكندر لوقا
نحن الأميركيين الذين يرسمون المعايير للناس في العالم.
كذلك كان جواب أحد مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية رداً على سؤال الصحفي الأميركي المخضرم ريز أرليخ الذي سأله: ما الذي كان الأميركيون سيعتقدونه لو كانت سورية هي التي تدرب جماعات متمردة ومنشقة في الولايات المتحدة وتسليحها؟ هل تنظر وزارة الخارجية إلى نفسها بالمعايير نفسها التي تطالب الآخرين بالالتزام بها؟
وأضاف أرليخ: إن المسؤول الأميركي تابع قوله: الأفضل أن يلتزموا هم بها، وإذا لم يلتزموا فسيتعرضون للإدانة في تقاريرنا عن حقوق الإنسان.
على هذا النحو تلعب الولايات المتحدة الأميركية دورها في قيادة العالم على حد رأيها فترسم المعايير التي يجب أن يلتزم بها الناس المنتشرون في أرجاء العالم كافة، ليس لأنها الأكثر تحضراً من سواها بل لأنها تملك السلاح والمال مع قليل جداً من الإنسانية في إنسانها.
إن رسم المعايير التي أدت إلى حرب العراق بذريعة و جود أسلحة دمار شامل تبين فيما بعد أنها مجرد كذبة وأدت إلى تهجير وقتل الملايين من أهل العراق، لم تكن معايير إنسانية- إنسانية، كذلك المعايير التي أدت إلى خلخلة النظم الحاكمة في تونس ومصر وليبيا، لم تكن سوى معايير تناسب نيات الأميركيين الذين يتقاسمون أرباح شركات النفط وإنتاج السيارات وشركات إنتاج الأسلحة، وها هي الولايات المتحدة الأميركية ترسم معاييرها بغية إخضاع سورية لإرادتها ولأنها فشلت فيما رمت إليه، لجأت إلى فرض العقوبات الاقتصادية والتضييق على المواطنين إلى درجة جعلهم يبحثون أحياناً عن مورد رزق أو أمن في خارج الوطن، ومع ذلك يتحدث هذا المسؤول الأميركي أو ذاك عن حقوق الإنسان.
إن الصحفي الأميركي المخضرم ريز أرليخ ليس غريباً عن تشريح ما يحدث في بلاده، وينطبق عليه القول وشهد شاهد من أهله، ولم يكن موارباً للحقيقة التي يجب أن يعلم بها الجميع وهي أن الولايات المتحدة الأميركية، هي التي تقف وراء خراب البلدان وتشتيت أهلها وتدمير معالمها الحضارية وسوى ذلك، ولا يحركها ضمير ينتمي إلى الإنسانية بمسافة شبر واحد، وكل ما شاهدناه ونشاهده على أرض الواقع بحجة إنشاء شرق أوسط جديد ديمقراطي، هو ادعاء، الادعاء الوحيد الذي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار هو أن الولايات المتحدة الأميركية ترسم معايير القبض على مقدرات العالم بذرائع مختلفة، وهذا ما يحدث اليوم حولنا.
يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844- 1900): عش في الحقيقة ولا تخدع نفسك.
من يرسم المعايير؟ علينا أن نعلم وقد علمنا.