اقتصاد

حقائق عن قروض ذوي الدخل المحدود

| المحرر الاقتصادي

احتفت بعض المصارف العامة أمس بقرار رفع سقف قروض ذوي الدخل المحدود من 300 ألف ليرة سورية إلى 500 ألف ليرة، أي بنسبة نحو 66.67%، وذلك بالقيمة النقدية لها، وهذا مطلب للمصارف التي تعاني من فائض في السيولة خارج التوظيف، ما يرهق حسابات الأرباح والخسائر بمزيد من الإنفاق على الفوائد المدفوعة على الإيداعات (بالقيمة النقدية أيضاً) من دون أن يقابلها تدفق نقدي داخل إلى البنك.
إن انخفاض قيمة العملة المحلية يخفف من ضغط دين المصارف (الإيداعات) وكلفتها، لكن في المقابل يضعف رأسمالها، كما يضعف موجوداتها وخاصة القروض والتسهيلات الممنوحة، وبما أن المصارف تعتمد على الرفع المالي في عملها، إذ تبيع قروضاً أعلى بعدة مرات من ديونها، فإنها تتحمل خسائر كبيرة، في ذلك، لذا تسعى إلى التحوط للتخفيف من وطأتها، وعندنا؛ سمح للمصارف بتحويل خسائرها إلى أرباح على الدفاتر من خلال احتساب فروق أسعار القطع الأجنبي كربح تشغيلي، علماً بأنه ربح عائم غير محقق في الواقع، وهذا يشكل نوعاً من خداع الذات بالنسبة للجهاز المصرفي، لأن دفاتره لا تمثل واقعه المالي الدقيق.
من جهة أخرى تزيد السيولة النقدية المكدسة من الخسائر بفقدانها قيمتها مع انخفاض قيمة الليرة، لذا يكون الحل بتوظيفها عبر قروض جديدة، تولد إيرادات جديدة، لكن تحقيق هذه الغاية منوط بقدرة المصرف على جذب المقترضين، وذلك بمنح قروض ذكية، تلبي مطالب المواطن وتخفض عليه تكلفة الاقتراض قدر المستطاع، مع الحفاظ على مصلحة البنك في تشغيل سيولته، لذا كان خيار الحكومة رفع سقف القروض لذوي الدخل المحدود إلى 500 ألف ليرة سورية، لكن السؤال هنا، هل ستنجح هذه الخطوة وتحقق غاياتها؟
من جهة المقترض تقاس الأمور بالقيمة الحقيقية وليس النقدية للقرض، وكلفته، وهنا تكمن المفارقة، فالقرض الذي كان مسقوفاً بمبلغ 300 ألف ليرة سورية كان يعادل 6500 دولار أميركي قبل الحرب، وهو بلغة السوق اليوم يعادل 3.38 ملايين ليرة سورية، أي إذا أراد المصرف الحفاظ على القدرة الشرائية لذات القرض يفترض أن يرفع سقفه إلى 3.38 ملايين ليرة، أما رفعه إلى 500 ألف ليرة سورية، بما يعادل نحو 950 دولاراً أميركياً فقط بلغة السوق اليوم، فيعني أن القرض بعد رفع سقفه يعادل أقل من 15% فقط مما كان عليه قبل الحرب، وهذه أولى المنغصات.
من جهة أخرى، يعتبر القرض مكلفاً جداً قياساً إلى دخل الموظف، ما يجعل أثر القرض على الدخل قريباً مما كان عليه قبل الحرب، نظراً لأن الزيادات في الأجور والرواتب ضعيفة قياساً إلى التضخم. وحتى مع انخفاض القيمة الحقيقية للأقساط مع استمرار التضخم، إلا أن الأثر قياساً إلى الدخل يبقى مكلفاً جداً وقد يستهلك القرض 40% من الدخل الشهري في ظل سياسة الأجور الحالية.
لذا نستنتج أن القرض يكون جذاباً للمواطنين الذين ليسوا من أصحاب الدخول المحدودة لانخفاض عبء الأقساط مع التضخم في ظل وجود أكثر من دخل، ويمكن أن يستخدم بعضهم القرض في المضاربة بسوق الصرف. ويكون مكلفاً جداً على أصحاب الدخل المحدود نظراً لانخفاض القوة الشرائية للقرض في السوق وارتفاع كلفته كنسبة من الدخل، في حين يوفر للمصارف مهرباً من تجميد السيولة.
لذا يكون جديراً إعادة النظر بالسياسة التسليفية والبحث عن بدائل أكثر فاعلية بدلاً من قبول خداع الذات في الدفاتر.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن