مأزق العدوان الأميركي.. والاعتذار

| بيروت – محمد عبيد

هل يمكن القول: إن العدوان الأميركي على مواقع الجيش العربي السوري في محيط مدينة دير الزور قد كشف هشاشة الاتفاق الأميركي-الروسي المفترض؟ فالوقائع السياسية كافة التي تلت حصول هذا العدوان أظهرت بما لا يقبل الشك أن الثقة كانت ومازالت مفقودة بين طرفيه الدوليين الأساسيين اللذين من المفترض أن يعيدا بعضاً من هذه الثقة بين الأطراف الإقليمية المعنية بالأزمة في سورية كي يتمكنا من تطبيق الاتفاق المذكور.
وبسبب فقدان الثقة الناتج من الرغبة الأميركية بالتحايل على تنفيذ التعهدات التي وقع عليها وزير خارجية واشنطن جون كيري أو على الأقل تنفيذها وفق الأجندة الأميركية، وجدت إدارة أوباما نفسها أمام مأزق سياسي دولي لأسباب عديدة أبرزها: تهرب واشنطن من السير بالآلية التي حددها الاتفاق حول ضرورة إقرارها بإظهار الفصل الوهمي بين ما يسمى «المعارضة المعتدلة» والمجموعات الإرهابية الأخرى وذلك عبر مشاركتها القوات الروسية بضرب «جبهة النصرة» مهما تنوعت تسمياتها، وهو ما وقع عليه كيري ورفض لاحقاً إعلانه أو ترسيخه بقرار واضح من مجلس الأمن الدولي. ثم الأهم بالنسبة لواشنطن هو الخوف من فقدانها أدواراً في الحلول المفترضة للأزمة في سورية من خلال العلاقة المستجدة مع موسكو التي أمنت لها سبل تواصل غير مباشر مع إيران- الخامنئي غير الراغبة في الحوار معها حول القضايا الإقليمية ومع القيادة السورية الصامدة والممسكة بزمام الدولة المركزية، ما أعادها إلى حالة اللاقرار التي حكمت أداءها خلال السنوات الخمس الماضية، كذلك إلى الإرباك الذي تجلى في المحاولات اليائسة لاستصدار قرارات أو حتى بيانات من مجلس الأمن الدولي لوقف زحف الجيش العربي السوري لتحرير ما تبقى من مدينة حلب ومحيطها وتعطيل الخطوات الإنسانية التي تقوم بها القيادة السورية لمساعدة السوريين المدنيين في المناطق التي تحتلها التنظيمات الإرهابية.
على أي حال، قد لا تكون واشنطن هي الشريك الوحيد لموسكو القادر على فرز وتحديد موازين القوى في الشمال السوري، فالشريكان الإقليميان إيران وتركيا يملكان تأثيراً أقوى في الميدان ونفوذاً وقدرةً أكبر على تطبيق التفاهمات والاتفاقات الثنائية أو الدولية في حال رغبا بذلك.
من هذا المنطلق، تبدو خطوة واشنطن بتقديم اعتذار بالوساطة لدمشق حول غارات عدوانية «غير مقصودة» محاولة لاستعادة المسار الذي كانت قد بدأته مع موسكو ومناورة للخروج من المأزق المذكور، وخصوصاً بعدما أثبتت المعطيات العملانية التي رصدها الجانبان الروسي والسوري أن المواقع المستهدفة معلومة منذ بداية المسح الجغرافي المعلوماتي الذي أجرته ما تسمى «قوات التحالف» قبيل تدخلها في سورية، وهي مواقع ثابتة ولم يطرأ عليها أي تغيير رغم المحاولات العديدة التي قامت بها التنظيمات الإرهابية وفي مقدمها تنظيم «داعش». كما تشير مصادر هذه المعطيات إلى أن رغبة «داعش» بالسيطرة على هذه المواقع في «جبل الثردة» قديمة-متجددة باعتبار أنها تقع على مقربة من مطار مدينة دير الزور وتؤمن خط الإمداد الجوي الوحيد لأهل هذه المدينة المحاصرة. وتضيف المصادر نفسها إن العدوان الأميركي الذي ترافق مع استعدادات مرصودة لداعش على بعد ثماني دقائق وصولاً إلى تلك المواقع، أكد بشكل جازم المسعى الأميركي لتسليم مدينة دير الزور إلى هذا التنظيم الإرهابي!