في انتظار الكعكة السورية المأكولة
| رشاد أنور كامل
في محاضرة لخبير دولي في النزاعات وخاصة نزاعات أهل البلد الواحد، عرض علينا نتائج بحث درس أكثر من 190 نزاعاً وآليات حله، والاهم عرض علينا أسباب ارتداد أهل البلد الواحد إلى النزاع بعد أول مصالحة ونسبة احتمال حدوث الارتداد لاستخدام السلاح وارتباطه بالعامل المدروس.
ومن أهم أسباب ارتداد المتقاتلين للنزاع المسلح هو توقعاتهم لحصصهم لما بعد النزاع.
وأنا أسمع المحاضرة حضرني مئات السوريين والسوريات ممن التقيتهم وأحاديثهم حول حصتهم أو تعويضهم إما من البقاء في البلد، أو القتال من أجل البلد، أو الهجرة خارج البلد وتحمل الهجرة، المثقف الصامد، والمثقف المهاجر، والمثقف الصامت، الموظف، أستاذ الجامعة، واللائحة تطول لتصل إلى من هم على جبهات القتال، ومن فقد أحباء في جبهات القتال، ومن فقد أحباء نتيجة للقتال…
أين نبدأ، من نعوض، ما التعويض الذي يحلمون، والأهم من التعويض والطامحين بالتعويض، هم أصحاب الحصص، والحالمين بالحصص، ومعظمهم ممن ادعوا أن الوطن ليس فندقاً، لكن عندما تأتي الحقيقة يتحول الوطن سريعا إلى كعكة… وهنا تبدأ انهيارات أي مصالحة أو تهدئة وحتى أي انتصار، عندما سيكتشف الحالمون، أن لا كعكة متبقية في سورية….
ما تبقى لنا، وطن يحتاج إلى الكثير من إعادة الإعمار وبأموال لا يتوافر منها إلا الثلث، وبموارد طبيعية لا يمكن تأمينها وخاصة المياه، لا المياه المخصصة للشرب، انما المياه المطلوبة لجبل الاسمنت….
مؤكد الوطن ليس فندقا ولكنه بالتأكيد لم يعد كعكة… فهل نبدأ بمخاطبة جمهور المتنازعين والحالمين عما ينتظرهم، أم ننتظر نكوص الهدن، والاتفاقات عندما يطالب طالب التعويض بتعويضه، والموعود بحصة بحصته.
يجب أن نخطط جيداً للخطاب القادم، خطاب واضح بأن لا مكاسب شخصية من أي نزاع، ولا للتصدي للنزاع، والإصرار على المحاصصة والمكاسب من خمس سنوات من أزمة لم تكن في الحسبان هو نوع من أنواع الشراكة في اقتسام الغنائم، والشراكة في الإثراء على حساب الحرب.
نعم هناك آليات لجبر الخواطر، وتعويض الضرر، ولكن هذا يختلف عن المحاصصة، يختلف من أنه سيأتي من ضمن خطة شاملة تضع أولويات، ومن أهمها صيانة الاستقرار، والإسراع في تهيئة البنية التحتية المتهتكة أو المدمرة، إعادة عجلة الإنتاج والتجارة، تأمين المهجرين، والأهم منع البعض من الإثراء على حساب حاجات الوطن والمواطن.
فلا الدولة ستكون قادرة على التوظيف الكبير، ولا القطاع الخاص، ومع ضعف وتراجع دخل الأفراد نتيجة لذلك إضافة إلى تراجع قيمة النقد سيشكل تحدياً حقيقيا لمرحلة الاستقرار، فما كان يحتمله المواطن أثناء فترة النزاع ومبرر لديه ولو على مضض، قد يفاجأ بأنه سيستمر لفترة قد لا تكون قصيرة، وقد يزداد سوءا لفترة، وخاصة مع التحرك المتوقع لكثير من الأفراد من مناطق نزوحهم الداخلية والخارجية في رحلة عودتهم إلى أماكنهم، فحجم الاستحقاقات المطلوبة لهم من أساسيات للحياة مثل الماء، الصرف الصحي، التعليم، الطبابة ستشكل وحدها تحدياً إن تجاوزناه بالتخطيط من الآن، فمن الممكن أن نتجاوز آثار ما بعد الأزمة سريعاً، ولكن كلمة سريعاً قد تكون محبطة عند البعض عندما يعلمون أنها فترة لن تقل عن عدد سنوات المواجهات نفسها.
إذاً أمامنا تحد في التواصل ومن الآن مع المواطن السوري في الداخل والخارج، تحد يتمثل في إشراكه بالواقع، واقع سيتطلب الكثير من الحكمة والكثير من العمل، والكثير من الصبر.
سيتأثر الموظف، والعامل، والمتقاعد، والجريح، والمعوق نتيجة ما حصل إلى الآن، ونتيجة للأولويات التي قد لا تشمله كما يشتهي.
هناك تحديات حقيقية قادمة، إن تم التعامل معها بالطرق التقليدية التي كنا نتبعها في العقود التي سبقت أزمتنا السورية، فالنتيجة محسومة… وهي نتيجة لا نتمناها…
الشفافية المطلوبة في التوجه إلى جميع السوريين، حتى إلى من حمل السلاح في وجه الدولة، أن لا مكافآت، ولا محاصصة، إنما هي لملمة جراح…
نعم هناك من أثرى من الحرب، كما في كل الحروب، وغالبا اثرياء ما بعد الحرب هم نفسهم أثرياء الحرب، يستفيدون من الحرب، ويستفيدون من إعادة الإعمار، وهؤلاء هم من أكبر عوامل زعزعة أي استقرار قادم. وهذا مثبت في التجارب المماثلة المدروسة للنزاعات، لذلك لابد من إيجاد بدائل مجتمعية تكون تكتلات أهلية مالية وتجارية، وصناعية، ضمن منظومة مساهمة تسمح بتدفق المال، والخبرات، وتنفيذ المشاريع ضمن صيغ تضمن أكبر توزيع للعائد، وخاصة على مستوى المناطق البعيدة عن مراكز المدن.
فيجب أن نركز أن تكون إعادة إعمار القرى ملك ومن مهمة أهل تلك القرى، ونفس الشيء ينطبق على المدن الصغيرة، والمتوسطة.
هناك حلول؟ نعم هناك حلول. هل هي بسيطة؟ هي واقعية إن تمت بشفافية وبالشراكة مع كل السوريين.
في نفي خطاب المكاسب، والمحاصصة، وإيقاف أحلام الاثراء، ومقولة أين حصتي.. ستسقط الكثير من عنادات من يعاند على العودة إلى التفاوض لوقف نزف الدم وموارد الوطن.
لا كعكة تنتظرنا، ولا مكافآت، ولا عقوبات، إنما كثير من العمل.