سورية

مع بداية العام الثاني لعمليتها في سورية … إستراتيجية روسية نحو الميدان وحلب و«فتح الشام» خارج أي تفاهمات

| مازن جبور

مع مرور عام على بدء عمليتها العسكرية في سورية تواصل الإستراتيجية الروسية تقدمها مؤكدة أن عصر الانفراد الأميركي بتوجيه التفاعلات الدولية قد انتهى، ومتخذة لسلسلة من التحركات تترك انطباعاً أن إستراتيجيتها الجديدة ستكون أكثر ميلاً نحو الجانب العسكري، أولى خطواتها إخراج مدينة حلب وتنظيم «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً) من أي اتفاقية تسوية قادمة مع واشنطن، بحيث تكون إدلب وجهتها بعد حلب.
العملية العسكرية الروسية في سورية بدأت بناءً على طلب رسمي سوري ووضعت عنواناً عريضاً «مكافحة الإرهاب»، تكلل بتدمير الجزء الأكبر من البنى التحتية لتنظيم داعش المدرج على اللائحة الدولية للتنظيمات الإرهابية، وبتحرير مناطق واسعة كانت تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة آخرها مدينة تدمر المدرجة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي وصولاً إلى تجفيف منابع تمويل الإرهاب وإنجازات أخرى كثيرة تحققت خلال عام، وهو ما لم يستطع الغرب في تحالفاته أن يحققه خلال سنين طوال من إعلانه «مكافحة الإرهاب».
احترام السيادة السورية كان الأساس والمنطلق للعمليات الجوية الروسية داخل الأراضي السورية، وانطلاقاً من قناعة موسكو بالحل السياسي للأزمة السورية وسعيها الدائم لإيجاد صيغ واتفاقات لوقف العمليات القتالية في سورية والدخول في عملية تفاوضية تفضي إلى حل سياسي كانت تواجه بعقبات إفشالها من داعمي التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة.
وإذا كان إنجاز تدمر الأكثر حضوراً فإن هذا لا يلغي أهمية دحر الجيش العربي السوري بدعم من القوات الجوية الروسية لمسلحي «الحزب التركستاني» و«فتح الشام» و«حركة أحرار الشام» وغيرها من المنظمات الإرهابية والميليشيات المسلحة من مساحات واسعة في ريف حمص واللاذقية وريف دمشق وحلب، ليتأكد مرة أخرى أهمية التنسيق مع الدولة السورية في الحرب على الإرهاب، وأن روسيا رسخت من خلاله جديتها في الحرب على الإرهاب.
امتد الدعم الروسي لسورية ليشمل تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية لآلاف السوريين المهجرين هرباً من جرائم الإرهابيين من جهة والمتضررين من الإجراءات الاقتصادية القسرية الأحادية الجانب التي تفرضها الدول الغربية والإقليمية على سورية حيث وزعت آلاف الأطنان من المساعدات في مختلف المناطق السورية.
وساهم مركز التنسيق الروسي في حميميم بفعالية في فضح انتهاكات المجموعات الإرهابية والميليشيات المسلحة للاتفاق الروسي الأميركي لوقف الأعمال القتالية العدائية الذي تم التوصل إليه في شباط الماضي.
وكان الحضور الأبرز لمركز حميميم في مجال تعزيز عملية المصالحات المحلية عبر وساطته في انضمام نحو 685 قرية وبلدة سورية إلى المصالحة حتى الآن وتعزز هذا الدور أكثر وأكثر بعد أن أسهم في إيجاد المناخات المناسبة لتنفيذ المرحلة الثالثة من اتفاق حي الوعر في حمص بعد تنصل الأمم المتحدة من التزاماتها ومحاولتها عرقلة تنفيذ الاتفاق لأسباب يرى فيها مراقبون خدمة لأجندات معادية للسوريين.
وتأكيداً على الإستراتيجية الروسية المستمرة في مكافحة الإرهاب، فقد أرسلت روسيا المزيد من الطائرات الحربية لتكثيف حملتها من الغارات الجوية في تحد للانتقادات الدولية لتصعيد عسكري ترى الدول الغربية أنه نسف الدبلوماسية.
وأوضحت صحيفة «إزفستيا»، بحسب ما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء، أن عدداً من المقاتلات من طراز (سوخوي 24) و(سوخوي 34) وصلت إلى قاعدة حميميم الجوية.
ونقلت عن مسؤول عسكري قوله: «إذا دعت الحاجة فستعزز القوة الجوية خلال ما بين يومين وثلاثة أيام بطائرات سوخوي 25 المقرر أن تتجه إلى حميميم اختيرت من وحداتها وأطقمها في حالة الاستعداد بانتظار أوامر القادة».
ويعتبر الكرملين أن أهم النتائج الإيجابية التي حققتها العملية العسكرية الروسية في سورية هي عدم سقوط دمشق في يد «الجماعات الإرهابية».
وفي هذا الإطار، قال الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دميتري بيسكوف، وفق ما نقلت وكالة «سمارت» المعارضة للأنباء: إن «تقييم مدى نجاح التدخل العسكري في سورية منذ عام هو شأن الخبراء العسكريين»، وتابع: «لكن يمكننا القول إنه لا داعش والقاعدة وجبهة النصرة اليوم في دمشق (…) وهو كما يبدو النتيجة الإيجابية لدعمنا الجوي للنظام».
ويبدو أنه مع بداية العام الثاني للعملية العسكرية الروسية في سورية ستتخذ موسكو إستراتيجية جديدة ستكون أكثر ميلاً نحو العمل العسكري، حيث انطلقت بالأمس جملة من التصريحات من كبار المسؤولين والدبلوماسيين الروس.
ففي مقابلة مع نائب وزير الخارجية الروسية لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف قال فيها: إن القوات الروسية في سورية لن تتوقف عن ضرب تنظيمي داعش و«فتح الشام» الإرهابيين حتى ولو أقدمتا على ترك السلاح.
وبالنظر إلى التركيز الروسي الشديد في المرحلة الحالية في الجانب الميداني على استعادة السيطرة على مدينة حلب بالكامل وعدم اكتراثه بكل التحذيرات الأميركية والأوروبية يكشف لنا عن إستراتيجية روسية جديدة قائمة على إخراج مدينة حلب من أي اتفاقية تسوية قادمة مع واشنطن بعد أن تكون قد ساعدت الجيش العربي السوري في استعادة السيطرة على المدينة بالكامل وأنها لن تقبل بأن تكون «فتح الشام» موضوع أي تفاهم حول ضربات مشتركة روسية أميركية على غرار اتفاق الهدنة الروسي الأميركي السابق الذي استمر لسبعة أيام لم يجدد بعدها، بل ستكون محافظة إدلب التي تسيطر عليها «فتح الشام» الوجهة القادمة في العمليات العسكرية السورية الروسية المشتركة.
كما تمكنت روسيا من فرض وجهة نظرها في سورية، وتمكنت من نقل الصراع في سورية من مرحلة توهُّم تدمير الدولة السورية، إلى مرحلة الحرب على الإرهاب، ثم إلى أهمية الجيش العربي السوري في مواجهته، ومن ثم ستتمكن من تحقيق هدفها الإستراتيجي المتمثل بالقضاء على الإرهاب، وباستمرار حماية سورية من أي تدخلات خارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن