اقتصاد

خطة من أيام السلم

| علي هاشم

لم تتأخر الحكومة عن إطلاق خطتها لتعظيم الإنتاج الوطني في شقه الصناعي، فبعد أسبوعين من إطلاق رؤاها الخاصة باستنهاض القطاع الزراعي، أجملت منذ أيام ما تنوي تقديمه لـ«معالجة العقبات كافة التي تعترض سير العملية الإنتاجية»، وفق ما زعمت!
مباشرة، وبعيداً عما خطته الحكومة من إجراءات لمعالجة واقع شركات القطاع العام، خاسرها ورابحها، فإن الشق المتعلق بالخاص لا يعكس إيمانا عميقا بكونه شريكا لا فكاك منه في إعادة «قاطرة الاقتصاد الوطني» إلى سكتها، ولا إدراكا كافيا بحجم التدمير البنيوي الذي استهدفه، ولهذا –ربّما- جاءت «التسهيلات» التي وصفتها الحكومة بـ«الفرصة أمام الصناعيين لإعادة تأهيل منشآتهم»، فقيرة وضبابية وأقرب إلى المزايا التشجيعية التقليدية التي يتم إقرارها تلقائياً ضمن قوانين الاستثمار في الظروف الطبيعية، لا بل حتى أقل من ذلك!
تتلخص «التسهيلات/ الفرصة» المزعومة التي تنتظر الصناعيين بتجميد بيع منشآت المتعثرين منهم بالمزاد وإعادة جدولة ديونهم المصرفية من دون فوائد، ودراسة «إمكانية» استئناف منح القروض التشغيلية قصيرة الأجل، مع تقسيط سداد قيمة الأرض المخصصة للمنشأة الصناعية على 5 سنوات، إضافة إلى حسم نسبة 50% من رسوم استجرار الطاقة الكهربائية حتى عام واحد من مباشرة إنتاجها.
في الواقع، وعلى الرغم من أن وقف البيع الجائر لمنشآت المتعثرين بالمزاد، يعد رجوعا فاضلا عن الخطأ وتوقفاً تكتيكياً عن الحفر عميقا في قبر الصناعة الوطنية، إلا أن بقية «التسهيلات» المزعومة لا تبدو متناسبة دراميا قياسا بدرامية التدمير التي طالها، بدءاً من النيّة -مجرد نية- بـ«دراسة إمكانية» استئناف منح القروض التشغيلية التي لم لو كان فيها خير لكان استجرها أحد المستثمرين سابقا «ولو عن طريق الخطأ»!
مرورا بحسم الـ50% من «رسوم» الكهرباء الذي قد يؤسس لإحلال رئيس مجلس الوزراء من وعوده للصناعيين بحل جذري لمشكلة حوامل الطاقة مع بداية فصل الشتاء، وصولا إلى تقسيط ثمن الأرض في المناطق الصناعية التي قامت دول في جوارنا القريب والبعيد بمنحها مجانا في معرض سعيها لتنشيط الاستثمار؟!
أما أسوأ «الخطة»، فتجلى في تكرار لأزمة «تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة باعتبارها رافعة اقتصادية هامة».. ففي الواقع، يحار المرء أين الخطة في «التشجيع»، وكيف لهذا الأخير أن يكفل استنهاض قطاع حيوي شكل 50% من ناتجنا الإجمالي قبل الحرب؟!
نظريا، وقياسا بالقيمة الاستبدالية للشركات المدمرة، المعلنة رسمياً عند 2600 مليار ليرة، ستحصد الحكومة مردودية متواضعة ومشوهة تنظيميا على مستوى إدارة الاقتصاد وتنوع الإنتاج، بسبب استثمارها «المسترخص» في تسهيلات خطتها الصناعية.
ولأنها لم تدرك بعد حاجتها لـ«إعادة خلق» قطاعنا الصناعي، وليس مجرد بعثرة مراهم سطحية هنا وهناك لجراح غائرة، فلن يطول انتظارها لتشهد عاقبة الاكتفاء ببضعة إجراءات متنكرة بزي «تسهيلات» لكن حقيقتها لا تخرج عن شجرة عائلة خططنا السابقة إياها، وقد يقيض لها لو طال عمرها لوقت كاف، أن تعاين بالعين المجردة حجم الهدر الذي ارتكبته بحق حقيبة المعارف التي راكمها قطاعنا الصناعي الخاص على مدى عقود سبقت الحرب، لأنها ما زالت متعمشقة بخطط أيام السلم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن