تحذير أم وعيد!
| بنت الأرض
هل كان تصريح الناطق باسم الخارجية الأميركية، جون كيربي، الذي لوّح بهجمات على مدنٍ روسيّة قد يشنّها إرهابيون سيشغلون فراغ السلطة في سورية في حال استمرار الحرب فيها، هل كان هذا تحذيراً بقصد لفت الأنظار إلى مخاطر محتملة، أم كان تهديداً ووعيداً للجانب الروسيّ أنه إذا لم يمتثل للإرادة الأميركية في الملفّ السوريّ، فإن الولايات المتحدة قادرة على تحريك الإرهاب في روسيا ذاتها؟ إن صيغة التهديد تشي بأن هؤلاء الإرهابيين يتحركون بواعز من سيّدهم الذي يدير المفاوضات ويحاول جاهداً أن يضعهم في مواقع القرار. وخاصة أنّ هذا التهديد قد تزامن مع تصريحات قيادي في جبهة النصرة لإحدى الصحف الألمانية؛ إذ قال هذا المتطرّف مباشرة إن التنظيم يتلقّى دعماً خارجياً، لكنّه بحاجة إلى أسلحة أكثر حداثة، وشدّد على أن جبهة النّصرة ستواصل القتال حتى الانتصار.
في دهاليز السياسة الكثير من اللغط والتشويش والنفاق والمواقف المزدوجة؛ إذ إن الاتفاق الروسي الأميركي الذي يقضي بفصل «المعارضة المسلّحة المعتدلة» عن الإرهابيين في سورية، يفتقر إلى الواقعية أولاً، كما يفتقر إلى إرادة الأميركي لتنفيذ مثل هذا الاتفاق. لقد برهن الميدان، على مدى سنوات، أن الإرهابيين والتكفيريين والمسلّحين يتبادلون المواقع والمخطوفين والأسلحة وكلّ ما يخطر ببال. كما برهن الواقع أن إطالة أمد الحوار والتعثّر في التوصّل إلى أي اتفاق واقعي، ناهيك عن انعدام الرغبة الأميركية في تنفيذ الاتفاق حتى بعد توقيعه، إن كلّ هذا يدفع ثمنه الشعب السوري دماءً، وحياةً، وألماً، وإنّ داعمي الإرهاب لا يدفعون شيئاً على الإطلاق لأن ذلك من عمل الداعمين الإقليميين الذين كان اسمهم عرباً في يومٍ ما.
إنّ ما يحدث في حلبَ اليوم، وردود الأفعال الأميركية والغربية على انتصارات جيشنا العربيّ السوريّ في تحرير أجزاء من حلب يحدوني لإعادة قراءة أكثر من مفصل في هذه الحرب الشرسة والظالمة على سورية. إذ إن أهل حلب يعانون، منذ سنوات، مدفع جهنّم، وخسائر في الأرواح، وتدميراً ممنهجاً لحلب القديمة، ولأجمل معالمها التاريخية، وسرقة أوابدها، وهي العاصمة الاقتصادية للبلاد، ومع ذلك لم يرفع الغرب صوتاً لنجدة حلب، ونجدة أهالي حلب. ولكن، حين بدأ جيشنا، بالتعاون مع الحلفاء بتهديد الوجود الإرهابي في حلب، اعتبرت سامنثا باور أن ما يجري في حلب يشبه يوم القيامة، كما قالت باور في مجلس الأمن: «إنّ ما يفعله الروس والأسد في حلب هو تحطيم للمعنويات». والسؤال هو معنويات من؟ بالتأكيد هي لا تُشير إلى معنويات السوريين، بل تُشير إلى معنويات الإرهابيين الذين بدؤوا يستشعرون خطر إزالة إرهابهم عن صدر حلب الشهباء وأهلها الصابرين الصامدين. ومن هنا يأتي البحث الأميركي اليوم عن خيارات جديدة، ليس لإنهاء الحرب في سورية، وإنما لمحاولة ضمان عدم هزيمة الإرهابيين على الأرض السورية. والمشكلة أن المسؤولين الأميركيين، الذين هم السبب المباشر في إخفاق المساعي الدبلوماسية، هم الذين يتذرّعون بهذا الإخفاق للبحث عن بدائلَ «معظمها يتضمّن استخدام القوّة بشكل أو بآخر، وجرى بحثها من قبل لكن تقرّر تعليقها»، ومن هذه البدائل السماح للحلفاء الخليجيين بتزويد المعارضة بأسلحة أكثر تطوراً.
لا بدّ هنا من وقفة لمراجعة مسار الحرب على سورية منذ آذار 2011 إلى حدّ الآن، حين كانت الأبواق الإعلامية الغربية تتحدّث عن التعدّدية الحزبية، ورفع حالة الطوارئ وتعديل الدستور، وإلى ما هنالك من طلبات قصد منها إعطاء هذه الحرب غطاءً ديمقراطياً، وجهداً من أجل تحسين حقوق الإنسان. ونحن نتذكر اليوم أنه منذ 24/3/2011، حين اتخذت القيادة قراراتٍ جريئة وجوهرية للاستجابة لكلّ المطالب الآنفة الذكر، حينها اشتدّت الحملة على سورية، ولم يذكر الإعلام الغربيّ يومها أو بعدها أي جهد تقوم به الحكومة السورية في محاولة لاستيعاب التحرّك، كما سموه، وإعادة الأمور إلى السلام والهدوء. وبقي هذا المسار واضحاً طوال هذه الحرب على سورية إلى أن بدأ الحوار الروسي – الأميركي. وقد تابعنا منذ بداية هذا الحوار المطالبة الأميركية الشديدة والحازمة بهدنة لوقف القتال كلّما تمّ تشديد الخناق على الإرهابيين، وأوشك الجيش العربي السوري على تحرير منطقة ما. فقد أتت الهدنة السابقة، منذ قرابة عام، والإصرار الأميركي على تنفيذها فوراً، نتيجة تطويق الجيش العربي السوري لمدينة حلب. والأمر ذاته ينطبق على الهدنة الأخيرة، التي بعد فشلها ارتفعت الأصوات عالية في الغرب، لأن الجيش العربي السوري يحرز انتصاراتٍ على الإرهاب في معظم أنحاء البلاد. أما حين يستشهد عشرات السوريين في حلب وغيرها من المدن والقرى السورية نتيجة أعمال إرهابية، فنحن لا نسمع إدانة ولا أجراس إنذار بأن ما يجري يحطّم المعنويات، أو إنه يشبه يوم القيامة. إن مراجعة الأحداث في سورية مع كلّ ما أطلق من اتهامات وتحريض وأفكار متناقضة في الادعاء بالسير بطريق الحوار، يبرهن بما لا يقبل الشكّ أن الولايات المتحدة وحلفاءها في قطر والسعودية وتركيا هم خالقو هذا الإرهاب وداعموه لهدم سورية وإلحاق أشدّ الأضرار بجيشها وشعبها وبناها التحتية. وهاهم رعاة الإرهاب يتراكضون إلى إسرائيل للمشاركة بجنازة مرتكب صبرا وشاتيلا ومرتكب مئات المجازر بحقّ الشعب الفلسطيني وعلى مدى عقود. وهاهم بعض العرب يكشفون عن وجههم الحقيقي وأنهم في صفّ أعداء فلسطين وأعداء العرب والعروبة. أما الولايات المتحدة فإن دعمها للإرهاب في سورية يأتي استمراراً لدعمها للإرهاب في فلسطين، واستخدامها حقّ النقض الفيتو عشرات المرات كي تجهض الحقوق الفلسطينية. لا بدّ اليوم من وقفة متأنية وتعريف الإرهاب وداعميه تعريفاً علمياً سليماً يستند إلى الوقائع والأحداث ولا شكّ أن الاحتلال والعدوان هما أبشع أشكال الإرهاب، فكيف إذا اقترنا بكل أنواع الدعم لأدوات إرهابية يتمّ استخدامها وتحريكها والتهديد بها حتى ممن يدّعي قيادة تحالف لمحاربتها!