ثقافة وفن

بين البساطة والعفويّة والعمق تتجدد الموسيقا السوريّة … دار الأوبرا تحتضن «خيطان الشمس» للفنانة «ميس حرب»

| عامر فؤاد عامر

احتضنت دار الأوبرا في دمشق حفل إطلاق الفنانة «ميس حرب» ألبومها الأوّل، الذي حمل عنوان «خيطان الشمس»، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من الأمل، والانطلاق في مرحلة البناء، وتحية منها لكلّ من رحل عن هذه الأرض وغادر، سواء برغبةٍ منه أو برغبةٍ في ريّ ترابها بدماءٍ زكيّة وطاهرة. الحفل جاء بصيغة عفويّة ومدروسة معاً، فمن الواضح أنه حمل جهود أوركسترا «سيد درويش» بقيادة الفنان «رشيد هلال» زوج الفنانة «ميس»، ومن الواضح أيضاً رغبة جميع من قدّم جهده في هذا الحفل أن يكون قريباً من الناس بالهموم والتفاصيل، التي تدلّ على البصمة السوريّة في هذه المبادرة الفنيّة.

حديث الإنجاز والتحضير
تحدّثنا الفنانة «ميس حرب» عن مرحلة العمل لإنجاز «خيطان الشمس» وصولاً إلى يوم الاحتفال بإطلاقه: «منذ أكثر من عامين بدأنا التحضير لهذا الألبوم، فبحثنا عن نصوص لنختار ما يتناسب منها للتوجّه الإنساني الذي تبنينا العمل ضمنه، أي التوجّه الذي يتحدّث عنّا بكلّ بساطة بحكاياتنا وواقعنا، بكلّ محبّة وإنسانية، فكانت لدينا نصوص عن الفرح وعن الحزن، وعن الغياب والسلام والاشتياق والأمل، وكلّ المشاعر التي نحن بحاجتها خلال هذه الحرب، والتي قسم منها نفتقده في مرحلة ما قبل الحرب أيضاً، وبدأ التحضير بصورةٍ فعليّةٍ منذ 5 أشهر، وقد رصدنا هذا الوقت لإنجاز الألبوم، وكان «رشيد هلال» من ينسق مع العازفين ومع شركة «مقام» للإنتاج والتوزيع الفنّي، وكان يشرف على كلّ شيء تقريباً وخصوصاً على صعيدي الإدارة والموسيقا، فنحن بحاجة لفرقة كبيرة وكثير من العازفين، فعمل الألبوم فيه كثافة من الموسيقا، وقد أصررنا أن يكون العمل كلّه live، بأن تكون الفرقة جميعها حاضرة في الاستديو، دون أن نسعى لسحب ونسخ أصوات، فكانت الأوركسترا حاضرة بكل أعضائها في الاستديو، بهدف أن يكون العمل أجمل، وهي مهمة صعبة، وقد واجهتنا بعض المشاكل، منها أن كثيراً من العازفين هم خارج البلد، إضافة للتكلفة الماليّة الكبيرة، وهنا دعمتنا شركة «مقام» التي شاركتنا في إنتاج الألبوم، وقد اشتغلنا مع موسيقيين مهميّن جداً، وأوجّه تحيتي لهم جميعاً وكذلك لكتّاب الكلمات».

خطّ الالتزام الفنّي وفكرة المخاوف من المرّة الأولى
تضيف «حرب» عن العمل الجادّ للتحضير لحفل إطلاق الألبوم، وعن فكرتي المخاوف، والالتزام أيضاً: «بعد إنجاز الألبوم بدأنا مباشرة الإعداد للحفل، وهنا واجهنا مشكلة أخرى؛ وهي عدم المقدرة على التدريب للحفل لوقتٍ طويل أو لمراتٍ عدّة، على الرغم من اندفاع العازفين جميعاً، وهذا بسبب كثافة الحفلات وقلّة العازفين الذين يتكرر وجودهم في كلّ الحفلات، وربما تأتي 3 حفلات في يوم واحد عليهم الحضور فيها جميعاً، وهذا مرهق بالنسبة لهم، فلا يمكن عندها إلا مراعاة كلّ هذه الظروف، ولذلك حاولنا قدر الإمكان الوصول للنتيجة التي نريدها. أمّا عن مخاوفي فقد كان لدي خوف كبير، لأنني أقدّم مادّة جديدة للاستماع لم يتلقها الجمهور من قبل، فكانت هناك جملة من الأسئلة تدور في ذهني، ومنها أنه إلى أي درجة سيحبّ الجمهور هذا الطرح؟ وإلى أي درجة سيستوعبها ويستقبلها؟، وكيف يمكن لي إقناع الجمهور من أول مرّة أغني له الأغنية؟ ولذلك سعيت للاقتراب من الناس بموسيقا تحمل عنصر المتعة، وعنصر الإحساس، إضافة للأكاديميّة فيها، فالموسيقا لا بدّ أن تحمل هذه النواحي الجماليّة، وهذا ما حاولنا طرحه في الأفكار الموسيقيّة والكلمات المنتقاة، وعن فكرة الالتزام لا يمكنني إلا أن أكون هكذا، فما يلفتني هو النصّ الذي يلامس المواطن، ولا يمكنني أن أفكر بأن أغني كلمة ولحناً إلا بعد أن يكونا لائقين بالمستمع، فلا أسمح لنفسي بالاستسهال، وفقط الغناء لمجرد الغناء، وكذلك يهمني كثيراً أن أقدّم نفسي كامرأة عربيّة راقية بصورة عامة، وسوريّة بصورة خاصّة، وهذا شيء يعنيني جداً».

بين البرنامج وأغنيات الألبوم
تضمن الحفل أغنيات الألبوم، وأغنيات أخرى أدرجت في هذا الحفل، فكانت منسجمة مع بعضها، لتقدّم حفلاً يحمل المقطوعة والأغنية وتعليقات الفنانة «ميس» عليها متحدّثة للجمهور ببساطة ومحبّة، وكذلك التحيّات التي وزعتها هي وزوجها لأعضاء الفرقة ومن ساهم في إغناء هذا الحفل، وشكرهم، وأغنيات «خيطان الشمس» تتحدّث عن هموم المواطن السوري والعربي فيما يعانيه يوميّاً وما يقاسيه بينه وبين نفسه وصولاً لهدف، وهذه الأغنيات هي: «كنّا سوى» من كلمات «كفاح الخوص»، وألحان «عاصم مكارم»، و«جوعان وعاري وحافي» من كلمات «كمال القنطار»، وألحان المرحوم «فارس هلال» والتي تتحدّث عن المرحلة الحالية لسيطرة التجار على الوضع المعيشي والتحكّم بالمواطن الفقير، وهي أغنية أداها منذ أكثر من 20 سنة، وقد سمح لـ«ميس» بغنائها قبل رحيله، وأغنية «غياب» من كلمات «هاني نديم»، وبتجربة تلحين لـ«ميس» نفسها، وأغنية «المعمعة» من كلمات «طوني وطفة» وألحان «رشيد هلال» الذي له لمسته الخاصّة في توزيع القسم الأكبر من هذا الألبوم أيضاً، و«شبّاك البكي» من كلمات «يارا محمد» وألحان «ميس حرب» أيضاً، ومقطوعة «غائم جزئي» من ألحان «رشيد هلال» وتوزيعه، وأغنية «منهام» التراثيّة التي طلب الجمهور من ميس إعادتها في نهاية الحفلة وكان ذلك الأمر، وأغنية «اشتقنا للسلام» من كلمات «إياد قحوش»، وألحان «شعلان الحموي»، إضافة إلى أغنيات كانت من خارج الألبوم لكنها وظّفت لخدمة حفل إطلاق الألبوم كأغنية «دوي دوينا» التي كانت البداية لها في البرنامج، وهي تحمل الحسّ الوطني الحماسي من كلمات وألحان «فارس هلال»، ومقطوعة «على عجلة» من ألحان وتوزيع «عصام رافع»، وأغنية «سالمة يا سلامة» المعروفة، وهي من كلمات «بديع خيري»، وألحان «سيد درويش» بتوزيع جديد لـ«رشيد هلال» وأغنية «ناطر» التي قدّمتها الفنانة «ميس حرب» سابقاً في مسلسل «علاقات خاصّة»، وهي من كلمات وألحان «مروان خوري».

صعوبات وتنسيقات
حملت الحفلة إيقاعاً ناجحاً بين قيادة الفنان «رشيد هلال» لأوركسترا «سيد درويش» وبرنامج الأغاني، والحديث الذي تحدّثته الفنانة «ميس» والتفاعل القائم مع الجمهور، وعن هذه الأفكار والتعب والمجهود المقدّمين يتحدّث الفنان «رشيد هلال»: «برزت الصعوبة في نقل أغاني الألبوم إلى منصّة المسرح، فبعض الموزّعين يكتبون أدواراً ممكنة الأداء في الاستديو، ومستحيلة العزف على المسرح، وهذا يحتاج إلى إعادة إعداد وتدريب وصياغة مناسبة، وهذا احتاج إلى عناية واهتمام كبير. وهناك الظروف الصعبة التي نعيشها بشكلٍ عام، وانعكاسها على الموسيقيين، فهناك شحّ بالعازفين على بعض الآلات، فالبعض ممن كان بالتسجيل معنا في الاستديو لم يتمكن من الحضور للعزف في الحفلة، وذلك لعدّة أسباب أهمها السفر، والهجرة، والأجور المنخفضة التي نتقاضاها في الحفلات، وهنا يجب البحث عن بديل للعازفين على الآلات غير المتوافرين دون أن تختلف ماهية الأغنية أو لونها. إضافة لعدم المقدرة على جذب العازفين على عدد كبير من البروفات وذلك لقلّة المردود المادي الذي نتقاضاه جميعاً».

رؤية ومعرفة
طرحنا سؤالنا حول عدم حضور الفنان «رشيد هلال» في الألبوم إلا في تلحين أغنية واحدة، وتوزيع 5 أغنيات منه، وكانت الإجابة: «كنا خلال فترة تحضير الأغاني حريصين على التنويع في الأفكار والمواضيع المطروحة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى اعتنينا بالأشكال والألوان الموسيقيّة، وهذا استلزم الدقة في اختيار الملحن المناسب وعلى أي نصٍّ سيعمل، ومَن مِن الموزعين سيوزع اللحن، هذه الرؤيا والمعرفة بطرق عمل الكتّاب والملحنين والموزعين، وكيفية تناغم عملهم مع بعضهم البعض كان لها دورٌ كبيرٌ في نجاح العمل وإطلاقه».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن