ثقافة وفن

كتاب «أميركا البائسة» يروي ألف حكاية عن خفايا شرطي العالم

| مها محفوض محمد

«أميركا التي تتفاخر بأنها الحلم لطموحات الكثيرين تقدم لهم الفرص وأنها أسطورة الحرية والانصهار في بوتقتها وهي مانهاتن وسيليكون فالي وغوغل ووول ستريت وهوليوود، ليست أميركا البهية العظيمة التي نتصورها، فأميركا هي البلد الذي يخصص نصف ميزانيته للسلاح ويخسر حروبه، هي البلد الذي يشهد أكبر عدد من الجرائم بالسلاح الفردي حيث يقتل فيها يوميا أكثر من ثلاثين شخصاً وهي بلد الاعتقالات والأقليات المضطهدة والتدين الخانق فما من تصدع اجتماعي واضح في بلد من العالم كما هو في الولايات الأميركية ويزداد خطورة يوماً بعد يوم ما يؤدي إلى ظهور سياسيين مثل تيد كروز ودونالد ترامب اللذين يجسدان ما هو أسوأ وأخطر على الطريقة الأميركية، ديمقراطيتها يسيطر عليها حزبان يصرفان سبعة مليارات دولار لحملة انتخابات ٢٠١٦ كي يتابعا تقاسم السلطة».

بهذه العبارات يقدم الكاتب الصحفي الفرنسي ميشيل فلوكيه لمحة عن كتابه «أميركا البائسة، الوجه الحقيقي للولايات المتحدة الأميركية» بعد أن أمضى خمس سنوات فيها من عام ٢٠١١ إلى شباط ٢٠١٦ وهو مراسل القناة الفرنسية هناك أصدر كتابه هذا في أيار الماضي فأثار اهتمام الصحافة الفرنسية بشكل لافت ولاقى مبيعا مثيرا للاهتمام وقد كان آخر توقيع له في ٢٢ أيلول الجاري في بلدته كروي (سواسون).
صحف ومواقع عديدة فرنسية علقت على محتوى الكتاب بالقول: تتحدث وسائل الإعلام الأوروبية كثيراً عن أميركا غير أن فلوكيه كشف الوجه الحقيقي عن «الحلم الأميركي» لأرض الحرية التي أصبحت باسم الحرب ضد الإرهاب دولة متسلطة استبدادية لا بل أكثر شمولية يسيطر فيها المال لتصبح مصطبة للمشبوهين وبالشهادة التي يقدمها الكتاب حول هذا البلد الذي نعتقد جميعاً أن ثقافته تنفذ إلينا لم يعد مثيرا للاهتمام فأميركا تبدو أكثر فأكثر ظالمة تتميز بعنصرية مستوطنة وعجزها عن إصلاح ذاتها وخاصة بسبب نظام انتخابي يشجع اللوبيات ومصالح ذوي النفوذ فهي بعيدة بشكل مرعب عن الصورة التي نعرفها في أوروبا والبورتريه الذي يقدمه الكاتب عنها يختلف كثيراً عما تعودنا قراءته في فرنسا.
صحيفة لوموند ديبلوماتيك علقت على الكتاب بالقول: «تحت رقابة الأخ الكبير في أكبر سجن في العالم تستقر عنصرية متجذرة قاتلة حيث الجميع مسلح وكل يسعى لذاته دون رأفة بالفقراء في بلاد السعي الدائم وراء الدولار».
وفي لقاء للكاتب مع مجلة لوبوان يقول فلوكيه: لقد اعتقدنا أننا نعرف أميركا كما ألفناها في السينما والمسلسلات التلفزيونية وشخصياتها الكبيرة لكن الأمر أكثر تعقيدا مما نتصور هذا ما اكتشفته خلال خمس سنوات قضيتها في تطواف تلك البلاد حيث وجدت أميركا أخرى تقوم على الظلم والعنف والتوتر العرقي واستحالة العيش معا فأكثر ما صعقني مستوى العنف في كل مكان وعلى جميع المستويات فهو اجتماعي بين أغنياء وفقراء يجتاح العرقيات الموجودة واعتقالات تعسفية عنصرية حيال الزنوج ومواطني أميركا اللاتينية فيبدو معظم الأميركيين قد فقدوا حسهم الإنساني على مبدأ «أن تكون غنيا فتلك فضيلة وأن تكون فقيرا فذلك إثم» نرى الفقراء هناك معزولين في أماكن إقامة لهم «غيتوهات» بعيدة عن المدن خصصت للزنوج وجماعة أميركا اللاتينية حسب مستويات دخلهم مع تجنب أي اختلاط اجتماعي ونرى الحذر لدى أي شخص منهم يستدعي البوليس في كل لحظة شجار مع الجار.
من جهة أخرى نجهل عدد الأشخاص الذين تقتلهم الشرطة سنويا من الزنوج لدرجة أن الأهالي ينبهون أولادهم ألا يلفتوا الانتباه كي لا يصبحوا فريسة لرجال الشرطة ولا يجهل أحد أن أميركا بلد مهووس بالسلاح فآلاف الأشخاص من أصحاب السوابق يحصلون على رخصة حمل السلاح ويضيف الكاتب: كل ما ورد في كتابي يستند إلى الوقائع الموثقة حيث يقتل سنويا في الولايات المتحدة ١٢ ألفاً بالسلاح الفردي ونحو ١١٠٠ على يد الشرطة كما يموت ٣٠٠٠ شخص من التسمم الغذائي ففي الولايات المتحدة الويل للضعفاء والفقراء إذ بين ليلة وضحاها يمكن للشخص أن يفقد عمله وبيته ليلقى به في الشارع دون اكتراث أحد بمصيره فالمادية والفردية ليست كلمات سدى هناك بل حقيقة ملموسة.
المجتمع الأميركي بأغلبيته غير إنساني من الصعب العيش معه حيث الهوة الاجتماعية تزداد والتوترات العرقية تتفاقم فهذا البلد لم يستق العبر أبدا من ماضيه الذي قام على نظام العبودية ليعود في القرن الواحد والعشرين إلى ممارسته.
ويتابع الكاتب: أميركا الحلم غير موجودة هذه كذبة وتضليل رغم أنها البلد الأقوى في العالم لكن سكانها يمشون زحفا نحو لقمة عيشهم فإن لم يكن الأهل أغنياء لا يستطيعون تعليم أولادهم إلا إذا كان الطالب استثنائيا يستطيع الحصول على منحة دراسية لأن المواطن الأميركي يتعثر بصعوبات العالم كلها ليصل إلى الجامعة والمخاطرة أن يخرج بديون ثقيلة فمثلا أوباما لم ينه دفع تكاليف دراسته إلا مع وصوله إلى البيت الأبيض وفي عام ٢٠١٥ بلغت ديون الطلبة غير المسددة ١٦٠ مليار دولار وهو مبلغ يفوق ديون الرهن العقاري وتلك مشكلة كارثية للولايات المتحدة الأميركية كما تقوم الجامعات الكبرى التي يبلغ فيها القسط السنوي ٤٠ ألف دولار بتقديم استثمارات لجذب الطلاب الأغنياء ولتصبح سوقا لأساتذة الجامعات كما هو الحال مع نوادي كرة القدم أما الجامعات الحكومية التي يتدنى فيها مستوى التعليم عن الجامعات الخاصة فيبلغ قسطها السنوي ١٥ ألف دولار يضاف إليه نحو ١٠ آلاف دولار نفقات السكن والطعام.
ويضيف فلوكيه: أتحدث عن بلد قام على العنف والنظام القضائي المرتكز على المال حيث تتم تبرئة شخص مثل لاعب كرة القدم سيمبسون لأنه غني مع أن الجميع يعرف أنه مذنب وأروي في كتابي قصة مدرب السباحة الذي سرح من عمله لأنه أنقذ رجلا يغرق خارج نطاق المنطقة التابعة لرقابته وفي المنطق الأميركي هذا طبيعي ولا يثير فضيحة مطلقة لعملية إنقاذ إنسان.
وهناك إمبراطور كازينوهات لاس فيغاس الذي كان سيقدم عام ٢٠١٢ إلى مرشح جمهوري ملايين الدولارات لكنه طلب منه أن يتم نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس بدلا من ذلك.
إن الأميركيين في أغلبيتهم يكرهون اليوم واشنطن «المؤسسة» ومن يمثلها إدارتها الفدرالية وحكومتها ولم يكن هذا الشعور قوياً مثلما هو اليوم إذ أصبح لديهم يقين بأن بلدهم مشلول تقوده عصابة من السياسيين المحترفين المنفصلين عن الحقيقة وخاصة ما يتعلق بالسياسة الخارجية حيث الوضع أسوأ بكثير لما فعلته أميركا في أفغانستان والعراق وفي سورية اليوم حيث أوجدت داعش أما السي أي إي والإف بي أي فقد كانا السبب في تفجيرات ١١ أيلول كما كانوا وراء نشوء داعش.
يقول فلوكيه: اعتمدت على الشهادات والمصادر الموثقة في كل حادثة لكشف هذا الانهيار للولايات المتحدة الأميركية.
وتختم مجلة لوبوان بالقول: إذا كنتم تريدون فهم لماذا أصبح الملياردير غريب الأطوار دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات القادمة فعليكم قراءة هذا الكتاب المهم الذي يروي ألف حكاية لتوصيف خفايا ديكور شرطي العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن