شؤون محلية

العدالة بين سلطة القاضي وممارسة المحامي (3 والأخير)

| نبيل الملاح

خلصت في المقالين السابقين إلى أن القضاء هو الطريق إلى تحقيق العدالة والإنصاف ومنع الظلم والاستغلال، وهو الميزان الذي يوازن بين جميع أطراف المجتمع ومكوناته السياسية وفقاً للدستور، ويضمن تطبيق القوانين وتنفيذها بالشكل الصحيح ومنع تجاوزها والتعدي عليها، وأنه ملاذنا جميعاً حكاماً ومحكومين.
ودعوت إلى العمل الجدي والمسؤول من جميع الجهات الوصائية المعنية لتقوية جناحي العدالة (القضاة والمحامين) وتحصينهما، فمؤسسة القضاء هي الأهم في بناء الدولة ومؤسساتها، ويجب أن تكون دائماً وأبداً في أول سلم الأولويات والتعاون معها ممثلة بمجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل لمعالجة الأمور التي تعوق تحقيق العدالة ووضع الآليات الناجعة لحسن سيرها.
إن أهم مبادئ الحكم الرشيد سيادة القانون وتوازن السلطات وتطبيق المساءلة والمحاسبة، وإن المعيار الأساسي لتحقيق العدالة هو تطبيق القوانين وإن ميزان العدالة هي المقياس الأهم للحكم الرشيد.
إن الدولة المدنية الحديثة هي دولة مؤسسات تقوم على الفصل الحاسم والمتوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والابتعاد عن الموروث الديني بكل خلافاته الفقهية والتأويلية، وتقبل القواعد والمبادئ المجردة للدولة المدنية الحديثة وهذا لا يعني الابتعاد عن المبادئ الكلية للأديان.
ومن المفروض أن تكون مؤسسات الدولة المدنية الحديثة (الديمقراطية) مؤسسات وسلطات تخدم الشعب وتحمي أمواله وممتلكاته، وتحقق الأمن الداخلي للمجتمع وملاحقة الجريمة بكل أشكالها، وحماية أمن البلاد من أي عدوان خارجي، والقيام بكل ما يؤدي إلى تحقيق مصلحة الوطن والمواطن.
أعود إلى الأفكار التي طرحتها في المقالين السابقين حول عمل القضاة، وأؤكد حرصي الشديد لأن يرتقي القاضي بعلمه وعمله وسلوكه المهني والشخصي إلى مستوى عال يجعله بمنزلة رفيعة، ويجعله محل احترام وثقة وتقدير المواطن.
وانطلاقاً من ذلك فإنه يجب علينا أن نقول الحق ونبتعد عن النفاق والمجاملة، وخاصة أننا نتحدث عن أهم شريحة في بناء الدولة والمجتمع، لكونهم المعنيين بتطبيق القانون والمحاسبة والمساءلة وحسن سير العدالة.
ونحن نؤكد ما نص عليه الدستور بأن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، فإننا نؤكد الأمور التالية:
1- لا بد من وضع الضوابط والآليات الواضحة والصارمة لمراقبة أداء القضاة من مجلس القضاء الأعلى، ولتحقيق ذلك أقترح الاستعانة بكبار القضاة المتقاعدين الذين ما زالوا قادرين على العطاء للقيام بمراجعة الأحكام الصادرة من القضاة وتقييمها بعد اكتسابها الدرجة القطعية، وذلك في إطار خطة يضعها مجلس القضاء الأعلى.
2- لا بد من محاسبة القاضي الذي يرتكب (خطأ مهنياً جسيماً) أكثر من مرة، وأرى أن القاضي الذي يتكرر ارتكابه (خطأ مهنياً جسيماً) عدة مرات لا يصلح أن يكون قاضياً…
3- إن ما طرحته بأنه لا يجوز أن يقوم القاضي منفرداً بتفسير نص قانون بحكم يصدره باسم الشعب العربي في سورية، وهل هناك ما يمنع من أن يقوم القاضي بسؤال إدارة التشريع في وزارة العدل عن تفسير نص قانوني معين؟ كان انطلاقاً من أن قاضي البداية والصلح والتنفيذ يصدر حكماً بمفرده، بينما الأفضل بل الصحيح أن يصدر التفسير عن مجموعة قضاة (مستشارين) يتمتعون بالمؤهلات الكافية واللازمة للقيام بذلك، ليكون التطبيق القضائي للنصوص القانونية موحداً وفقاً لغاية المشرع وبعيداً عن الارتجال والتسرع مع تأكيد عرض النصوص القانونية التي لا يتبين لمحكمة النقض وإدارة التشريع غاية وقصد المشرع فيها على السلطة التشريعية (مجلس الشعب) لتفسيرها.
4- يجب إيجاد صيغة للتعاون بين السلطة التشريعية وإدارة التشريع لدى وزارة العدل لمراجعة مشروعات القوانين لتكون نصوصها واضحة (موضوعاً ومضموناً ولغة) لا تحتمل التأويل ولا تحتاج إلى تفسير.
5- تأكيد رفع الحصانة عن القاضي الذي تثبت إدانته، ومحاكمته وفقاً للقانون، وعدم الاكتفاء بصرفه من الخدمة.
6- لا بد أن تقوم نقابة المحامين بالتعاون مع وزارة العدل لوضع الضوابط والآليات لمراقبة أداء المحامين، ومحاسبة المحامين الذين يثبت أنهم يخلون بحسن سير العدالة ويعوقون تنفيذ الأحكام القضائية المكتسبة الدرجة القطيعة بطرق وأساليب غير سليمة.
أختم وأقول: إن العدالة تعني الجميع ومن حق الجميع وعلى الجميع أن يجعلها في أول سلم أولوياته بصدق وأمانة، فالعدل هو أساس الملك، وأنا أقول إن العدل هو جوهر الحياة وأساسها.
باحث ووزير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن