عربي ودولي

واشنطن تخلت عن أهم من اعتمدت عليهم في تمرير سياستها في المنطقة وتحذيرات أوباما للسعودية بدأت تفرض نفسها

تحسين الحلبي

يبدو أن الحرب السعودية على اليمن والفشل الذريع في تحقيق أهدافها بدأت أمس بفرض مضاعفات هذا الفشل، وكشفت أن الذين كانوا يتحكمون بإدارة السياسة الخارجية السعودية وتدخلها ضد سورية هم الذين يدفعون ثمنها… وهذا الافتراض المنطقي تشير إليه القرارات التي اتخذها الملك سلمان من قمة الهرم إلى قاعدته في مجلس وزرائه وأجهزة أمنه الداخلي والخارجي، فإعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود وتعيين الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز يشكل انقلاباً على وصية وقرار الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز مثلما تشكل مكافأة لمحمد بن نايف وزير الداخلية في حكومة الملك سلمان من دون أن يكشف أحد بعد سبب المكافأة التي توجب على الملك منحها له، فمن الواضح أن إقالة مقرن من ولاية العهد وسعود الفيصل من وزارة الخارجية وبندر بن سلطان من منصب رئيس مجلس الأمن القومي السعودي والأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز من منصب رئيس المخابرات السعودية، إضافة إلى تغيير ولي العهد لها أسباب لأن قمة الجهاز الأمني الخارجي في وزارة الخارجية وفي الأمن القومي والمخابرات هي التي أطيح بها بسبب هذه القرارات وكأن وضعاً داخلياً اكتشفه وزير الداخلية محمد بن نايف وله صلة بالحكم ومستقبل الحكم وأبلغ به الملك فسارع إلى إصدار مراسيمه التي كان من بينها إلغاء وجود مجلس أمن قومي بعد إقالة رئيسه بندر بن سلطان وتشكيل مجلس جديد يرأسه وزير الداخلية محمد بن نايف.. فالخاسر الأكبر هو نفوذ بندر بن سلطان وسعود الفيصل ورئيس المخابرات. كما ألغى الملك وجود 12 مؤسسة كانت تشارك في قرار الحكم في التعليم والاقتصاد وألغى نظام عمل مجالس ذات اختصاصات مدنية وكأنه يهيئ لولي العهد محمد بن نايف ولابنه الأمير محمد بن سلمان دولة بحكومة جديدة لا وجود فيها لأبناء الملك الراحل عبد الله بعد أن أقال اثنين من إمارة الرياض وجدة وأبقى على أخيهما متعب قائداً للحرس الوطني الذي كان قائده والده عبد الله قبل أن يصبح ملكاً.
فالتغييرات الواسعة هذه بقرارات مفاجئة وخلال يوم واحد لا يمكن أن تكون أسبابها عادية بل ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد أن جهة ملكية تجمع أفرادها من بندر إلى أتباعه وربما بمشاركة مقرن ولي العهد وآخر أبناء عبد العزيز آل سعود وحاولت أن تفرض تغييراً يحافظ على مصالحها ووجودها، فسارع الملك ومعه وزير الداخلية والدفاع إلى فرض قراراته على هذه المجموعة، وهناك أسباب تدعو إلى الاعتقاد أن واشنطن كان لها دور في هذه التغييرات، وخصوصاً أن الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية وولي العهد الجديد ترى فيه واشنطن الرجل الذي يمكن الاعتماد عليه في كل تنسيق أميركي سعودي، وهذا يعني في الوقت نفسه أن واشنطن تخلت عن أهم من اعتمدت عليهم في تمرير سياساتها في المنطقة وهما الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية المقال والأمير بندر بن سلطان الذي ترعرع في واشنطن حين كان سفيراً ثم أصبح مديراً للمخابرات ورئيساً لمجلس الأمن القومي، ويبدو أن تحذيرات أوباما العلنية لدول الخليج بما في ذلك السعودية بأن الخطر عليها يأتي من داخلها وليس من إيران أو غيرها من الخارج، فرضت نفسها بشكل من الأشكال وربما اكتشف الأمير محمد بن نايف من موقعه كوزير للداخلية ما يعدّ للملك سلمان في ساحته الملكية الداخلية فتحركت قراراته غير المسبوقة لتنتج حكومة جديدة وولي عهد جديداً وأنظمة عمل أمنية واقتصادية جديدة يراد الاستناد إليها في هذه المرحلة التي يظهر فيها فشل سياسة التدخل العسكري والأمني السعودي في سورية وفي اليمن بشكل واضح وملموس أمام الجميع، لكن الاهتزازات والارتدادات التي ستولدها هذه القرارات على المستوى الداخلي السعودي الملكي وغير الملكي لم تظهر بعد في ساحة المتضررين في الداخل ولا في ساحة السياسة الخارجية السعودية على المستوى العربي والإقليمي، فهل تظهر ملامحها بعد قمة أوباما مع دول الخليج المقررة في الأسبوع الأول من شهر أيار المقبل؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن