غير واقعية
| مازن جبور
يوماً بعد يوم تتصاعد اللهجة الأميركية منذرة ومهددة بتصعيد عسكري مباشر ومنظم على سورية بعد تعليق أميركا لتعاونها مع روسيا في هذا الشأن، الأمر الذي ترافق مع العودة إلى تعويم فكرتي الحظر الجوي والمناطق الآمنة.
في المقابل، لم تستبعد موسكو إقدام واشنطن على تحركات من هذا النوع، وردت عليها بالتأكيد أن عمليتها في سورية مستمرة ودعمها لدمشق متواصل، وذلك من خلال إعلان صدر عن وزارة الدفاع الروسية عن أن منظومة الدفاع الجوي إس 300 وصلت إلى سورية.
هذا الجو الصراعي البعيد عن الدبلوماسية، يبدو متناقضاً مع ما يراه أصحاب المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية والمنتمون إليها بأن الدول لا تتصرف بطريقة عشوائية، وإنما هي كيانات عقلانية تتصرف بشكل واع لتأمين بقائها وتعظيم مصالحها القومية، وهذا يفترض ألا تتصادم الدول الكبرى مع بعضها بالشكل المباشر، وإنما ستلجأ إلى الحروب بالوكالة أو إلى الشكل الجديد من الحروب «المخنثة» التي تحمل جانباً مباشراً وجانباً بالوكالة.
الارتباط الوثيق بين الواقعية والسياسات العملية يعتبر من أبرز ميزات دراسة العلاقات الدولية، ويبدو ذلك جلياً من خلال قرب منظري الواقعية من الحقل السياسي ومن دوائر صنع القرار، وخاصة في الدول الغربية، فعلى سبيل المثال، نلاحظ أن هانز مورغنثاو وجورج كينان وهنري كيسنجر –وهم من أعلام المدرسة الواقعية- جميعهم كانوا في مواقع صنع القرار الذي أثر في توجهات الإدارات الأميركية المتعاقبة ومواقفها من القضايا المتعلقة بالسياسات الخارجية، حيث صبغت بلونها السياسات الدولية طوال الحرب الباردة.
إن العلاقات الدولية وفق الواقعية تحكمها معادلة رئيسية ثابتة قائمة على الثنائية «مصلحة– قوة»، وبالنظر إلى هذه المعادلة، ووفق المدخل السابق لفهم النظرية التي تحكم سياسات الولايات المتحدة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبالنظر إلى التجارب الأميركية التي دخلت من خلالها الصراع المباشر مع دول صغيرة كالعراق وتنظيمات مسلحة وإرهابية مثل «القاعدة»، فإن الإقدام وفق تصريحات مسؤوليها على القيام بعمل عسكري في سورية يعني بالنظر إلى التصريحات الروسية الدخول في عملية عسكرية مباشرة بين القوتين النوويتين الكبريين في العالم، والذي سيعود بنتائج كارثية عليهما لن تتوافق مع النظرية الواقعية الحاكمة للسياسة الأميركية، فالحرب ذات النتائج التدميرية الكارثية ليست في مصلحة واشنطن لأنها ستؤدي بها للضعف، مما سيعرض المصالح القومية الأميركية للخطر.
وخلاصة القول: إن ضربة عسكرية مباشرة من واشنطن على سورية ستكون غير واقعية، وما يطلق من تصريحات وتصعيد أميركي يقابله رد روسي بالحدة نفسها يدخل ضمن احتمالين الأول: ربما لتشكيل حجة لدى المتعنتين داخل الإدارة الأميركية والمعارضين لوجهة النظر الروسية لحل الأزمة السورية التي خضع لها البيت الأبيض الأمر الذي يدلل عليه ما يحكى عن خلافات بين وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» «الكونغرس» الأميركي من جهة والبيت الأبيض من جهة ثانية. أما الاحتمال الثاني: فإن هذه التصريحات تنضوي ضمن أوراق الضغط التفاوضية التي يمارسها كل طرف للحصول على تنازلات في الملف السوري من الطرف الآخر.