محمد علي يونس القامة المعرفية
| مالك صقور
بداية أقول: إن الدنيا بخير… وإن سورية بألف خير.
ما دمنا نجتمع في هذا الصرح الثقافي، اليوم، بهذا الحضور الرائع لتكريم الكبير محمد علي يونس، في مثل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، وفي خضم هذه الحرب الظالمة القذرة على سورية، بعد هذي السنين العجاف القاسية، في تاريخ الأمة.. والقطر الصامد الصابر بشعبه المنتصر بجيشه الذي اجترح المآثر، وسطر المعجزات… فمعنى ذلك، أن سورية بألف خير، وهاهي ذي بشائر النصر بعد صمود طويل.
أن نجتمع أخيراً، لتكريم علم من أعلام: العلم، والتربية والمعرفة والثقافة، معنى ذلك أنه مازال بيننا أوفياء، والوفاء شجاعة، إننا نتذكر القامات العالية، الذين تركوا بصمات ومآثر لا تمحى من ذاكرة الأجيال.
في هذه العجالة، من الصعب علي، أن أختزل بسطور قليلة مسيرة طويلة، عامرة « حافلة، مترعه بالعطاء الذي لا ينضب. العطاء المندّى بالعرق، وبالسهر، وبالجهد، والكفاح والإيمان، طفولته، تعمدت بالندى المنسكب على أغصان الزيتون في قريته الصغيرة، البعيدة، في قلب هذا الجبل الأشم، الذي قدم ويقدم آلاف الشهداء، الذين سبّحوا الوطن بدمهم، ولحمهم، وأضلاعهم. وكانوا هم وآباؤهم من تلامذة الأستاذ الكبير محمد علي يونس وطلابه.. مسيرة بدأها بالعلم ليسجل صفحة ناصعة في التفوق العلمي، الذي رافقه في كل مراحل دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية فالجامعية، وليسجل تفوقاً رافقه أيضاً في كل مراحل حياته.. حين بدأ بالتدريس شاباً كان من خيرة المدرسين بشهادة كل الطلاب وشهادة زملائه المدرسين إذ كان يغرف من قلبه وروحه وعقله ملقنا طلابه العلم والمعرفة والأخلاق والفضيلة. طلابه صاروا مدرسين وأساتذة جامعيين ومهندسين ومديرين وضباطاً ووزراء أيضاً وحتى اليوم لم ينسوا فضل هذا المربي ولم ينسوا دروس الأستاذ القدير.
في إحدى محطات هذه المسيرة كان في طليعة المتطوعين في عملية ( التعريب ) في الجزائر المحّررة من نير الاستعمار الفرنسي البغيض.. في الجزائر إضافة إلى التدريس الصعب في حينها خاض حرباً ضد المتفرنسين الذين لم يتخلصوا من براثن الفرنسة والذين أعلنوا: (إذا عرّبت خرّبت) ومع ذلك لم يهادن ولم يستسلم وكان موضع ثقة عند المسؤولين المشرفين على التعريب، كلف بوضع مناهج التدريس في الجزائر كلها في حقل علوم اللغة (من صرف ونحو وعلم العروض والبلاغة وحركة التأليف)، وأستاذنا الجليل الكبير محمد علي يونس يمتاز بحضوره الاجتماعي والإنساني والتربوي والمعرفي والثقافي سواء في التدريس أم في كتاباته المختلفة بدءاً بمحاضراته الغنية، اللغوية منها والفكرية مروراً بالخطب الدينية والأخلاقية الكثيرة، وتأبينه مئات الشهداء وتعزية ذويهم ومواساة الجرحى والمصابين وإخلاصه في عمله ودأبه حين كان الموجه الاختصاصي في اللغة العربية في طرطوس، وتطوير المناهج التربوية في وزارة التربية وليس انتهاء بالمواظبة اللافتة في لجنة تمكين اللغة العربية.
ولا أنسى العمل الأبرز في مسيرته العلمية – الأدبية – اللغوية وهو انكبابه على إنجاز سفر ضخم بعنوان (خلاصة التفاسير للكتاب المنير).
ومن تطلعاته لا بل من همومه كانت ولم تزل، الارتقاء بالتعليم لنجاري الشعوب الأخرى. كان همه لا بل وجعه هو هم ووجع الوطن والمواطن.
الوطن الغالي وما يعانيه من أبالسة هذا الزمان وشياطينه بتدبير من شذاذ الآفاق – عبيد العبيد – أي – عبيد الدولار.. والمواطن ومعاناته من زبانية الفساد والإفساد.
يقتضي الوفاء الآن ودائماً القول عن مكرمنا الأستاذ محمد علي يونس هو إنسان قبل كل شي، الإنسان الذي يفيض نبلاً، يفيض مروءة، يفيض كرماً، يفيض تسامحاً وإنسانية وإيماناً، إنه غني النفس أبيها، كبير من غير تكبر، متواضع من غير ضعة، كريم لا يبخل بعلمه لكل من يقصده… ولا بماله لكل عابر سبيل… ولا أبالغ إن قلت لقد تجلت الأخلاق، والقيم النبيلة، والفضيلة، في كل أعماله، وفي سلوكه، وفي تصرفاته، وفي علاقاته الكثيرة، المتنوعة والمتشعبة سواء مع طلابه وتلامذته أو مديريه أو زملائه أو أصدقائه وفي بيته أيضاً.
كان الكبير أبو فراس ولما يزل من أعلام اللغة العربية… وكان همه الأول ووجعه الأخير هو الحفاظ على هذه اللغة. ليس لأنها لغة القرآن الكريم فحسب. بل لأنه عرف وفهم واستوعب وأدرك أسرار هذه اللغة العظيمة التي هي حامل الثقافة العربية وهي الوعاء المتين لهذه الثقافة الأصيلة التي تضرب في أعماق التاريخ…. ولذلك هو على يقين أن كسر هذا الحامل وتحطم هذا الوعاء سيفقدان الأمة هويتها وشخصيتها، وهو على يقين أيضاً أن المرامي البعيدة والأهداف القريبة من تجويف هذه اللغة والانحراف بها وعنها هو تحطيم هذه الأمة وتمزيقها، ولأنه يستضيء بنور الحق كان الإيمان عنده عمود السماء.. وهو الإيمان بالواحد الأحد.
وعنده الصلاة: هي صلة العبد بخالقه فقط من غير وساطة، من غير زخارف ومرمر ورخام وثريات وسجاد و.. و.
وأما الدين: في مفهومه وعرفه ويقينه فهو عقل بالمطلق، الدين هو الدين الحنيف دين المحبة دين التسامح دين العدل دين الإنصاف دين المساواة دين التآخي والتضامن والتكامل والتكافل.
الدين عنده: هو عطاء، عطاء، عطاء بلا نهاية وليس العكس.
في هذه الأيام زمن الردة استغل الدين أبشع استغلال غير مسبوق في تاريخ البشرية كما يجري عندنا الآن من ابتزاز وخرافات وشعوذات وتلاعب بعقول الضعفاء الجهلة، فكان القتل والذبح والخطف والتمثيل بالجثامين وأكل القلوب ومضغ الأكباد فإن الدين وكل الأديان بريئة من هذه الأفعال الشنيعة والإسلام منهم براء.
الدين عنده: كما هو الدين عند ابن حلب القديم الشاعر العظيم المنتجب الدين العاني الذي يقول:
ولا تحسبن المال خلّد أهله
فمن ذا الذي أضحى بمال مخلّدا؟
ومال المال إلا أن نسر ببذله
صديقاً صفياً أو تصدّ به العدا
وما الدين إلا تركك الشر والأذى
ودفعك بالمعروف عن خلك الردى