أكتب باللغة الواضحة القريبة من المتلقي … غادة فطوم لـ«الوطن»: واجب علينا الكتابة لفلسطين والجولان
| عامر فؤاد عامر
قدّمت نفسها كشاعرة في ثلاث مجموعات شعرية أولاها في العام 2006 بعنوان «أنا عشتار أنا امرأة»، والثانية في العام 2008 «امرأة من زهر الياسمين»، والثالثة في العام 2013 بعنوان «ضجيج الحجارة». لكنها كانت حاضرة أيضاً في التجربة الروائيّة فلديها رواية «كنا هناك» التي صدرت في العام 2011 وتتحدّث فيها عن الجولان السوري المحتل، وهناك جزءٌ ثانٍ منها قريباً، كما لديها مجموعة قصصية بعنوان «أنين الصلصال» الصادرة في العام 2013. الكاتبة «غادة فطّوم» وعبر تجربتها في عالم الكتابة التقيناها أثناء فعاليات معرض الكتاب الدولي 2016 لتجيبنا عن هذه الأسئلة وتخبرنا عن تحضيراتها الجديدة:
هل يختلف شعر الرجل عن شعر المرأة؟ ولاسيما أنك تذكرين القارئ دوماً في تجربتك الشعريّة بأنك الأنثى؟
في المنتج الأول «أنا عشتار أنا امرأة»، وفي الثاني «امرأة من زهر الياسمين»، أغرقت فيهما بالأنوثة فعلاً، والسبب هو أن الرجل يكون أكثر قوّة، ويستطيع التحدّث في كلّ المجالات، فهو قادر أن يقول كلمته ولا يحاسب عليها، على حين المرأة حذرة في إطلاق كلّ مشاعرها بينما الرجل يكون حرّاً أكثر في ذلك، أمّا المرأة في مجتمعنا فتبقى مقيّدة وكذلك الأنثى، وبالطبع هناك حالات لكن أنا كأنثى أشعر بأنني لا أستطيع التحدّث في كلّ الخطوط وهناك مسائل لا يمكنني أن أجاهر فيها، لكن شعر الرجل يحمل معالم القوّة والقساوة، وهو يتحدّث عبر شعره ليظهر رجولته في هذا الشعر، على حين المرأة تتحدّث عن أنوثتها، ولكن بكثير من الخجل، فلا تبوح بكامل مشاعرها، على الرغم من أن الكثيرات من الشاعرات اليوم اجتزن مرحلة البوح، ومرحلة القول بأنهن إناث، ويحقّ لي أن أتحدّث كالرجل تماماً. وبالنسبة لتجربتي أقول ليس لدي الجرأة في ذلك. فشعري يحمل الكثير من الخجل، ومن يقرأ يلاحظ أن شعري فيه قيود، ربما قيود مجتمعيّة أو أنثويّة أو من الأمومة أو أي نوع من القيود، وشخصيّاً أحاول أن أتخطى هذه القيود وسأكون مسرورة إن استطعت ذلك، ولكن تحتاج الأنثى لكثير من الحريّة الداخليّة، وعندما تكون هذه الحريّة من الداخل تستطيع أن تحلّق.
إيقاع ما تقدّمه «غادة فطّوم» هل يعتمد على العنصر الزمني أم على تطور الحالة النصيّة؟ وقد كتبت ما قبل الحرب على سوريّة وخلالها؟
يهمّني الإيقاع الزمني كما يهمني التطور في النص الذي أقدّمه، فأنا أهتم بتطوير اللغة، وبالزمن، وأعيش المرحلة بخصوصيّتها، ولذلك هناك رابط بين الزمن والنصّ، وإلا فلا يمكن للمنتج الأدبي أن يخرج بكامل بهائه، ولا يمكن أن يكون قويّاً، وإذا لم يحمل حالة من الإقناع فلا أخرجه للعلن، فأنا مثلاً لا أستطيع أن أكتب عن العشق والحبّ في زمن الحرب! فلغة الحزن لا بدّ أن تكون واضحة وبارزة هنا.
في ديوان «ضجيج الحجارة» كان لديك نقلة واضحة في الكتابة مقارنة بالديوانين السابقين، فما خصوصيّة التجربة فيه؟
هو نتاج مرحلة بدأت في عام 2011 وحتى 2013 فهناك ضجيج داخلي لا بدّ أن يخرج، فليس أي شخص يستطيع أن يستمع لضجة الحجارة، فالحجارة ساكنة وصمّاء، لكنها تتحدّث وهي ترفض كلّ ما نحن فيه، فتخيّل أن الحجر ينطق ويرفض وينتقد البشر، وتصرفاتنا، وكلّ ما قدّمناه كإنسانية وكسوريين على وجه الخصوص. الحجر السوري الأصمّ هو حجر يتمتع بكلّ الحبّ والضجيج، وكلّ القهر والظلم، ولا أدري لماذا أشعر بأن الحجر السوري كلّه شعر وحيويّة وكلّه رفض على الرغم من صمته وسكونه.
تعتمدين على اللغة الواضحة والبسيطة والملأى بالعاطفة بعيداً عن الاتكائية على المصطلح، لماذا تعتمدين هذا الأسلوب؟
عندما أكتب الشعر فأنا أرسله للمتلقي، وهذا ما يحتم علي أن تكون اللغة سهلة وبسيطة، لكي يكون لديه المقدرة على فهمها والتفاعل معها، فلا بدّ من التفاعل مع الكلمة، وعندما أكتب عن دمشق بلغة بسيطة وسهلة، فأنا استمده من صفات الياسمين الخاص بها، الذي ينبت، وينمو، ويتطوّر، ويسقط على الأرض، فكم هو بسيط هذا المنظر الجمالي؟! ولذلك أنا أقدّم هذه اللغة البسيطة والسهلة، والتي يأخذها المتلقي، وبكلّ رحابة صدر وجمال، وربما يستطيع أن يحفظ هذه اللغة بصورة أسرع.
كتبتِ في الشعر والرواية والقصّة القصيرة، فلماذا لم تختصي بكتابة نوعٍ منها فقط؟
لا يمكن تحجيم الكاتب في جنس أدبي واحد، بل يجب أن يتنوع في كافة الأجناس الأدبيّة التي يطرحها. عندما حاولت أن أكتب الرواية «كنا هنا» كنت خائفة جداً من الخوض في العمل الروائي، فمن لم يمتلك النص لا يستطع أن يُخرج الرواية ببهائها، و«كنّا هناك» تتحدّث عن الجولان السوري، الذي لم أعش فيه، لكن كنت أرى الجولانيين في يوم الأرض على السياج، وكيف يتواصلون، وهذا ما حرّك شعوري كثيراً لكتابة الرواية عن الجولان، ولذلك شعرت أنني أعيش بينهم، ووجدت أنه من واجبي وضع بصمة تخصّ الجولان السوري، وقد عايشت بعض الأسر الجولانيّة، والجولان الذي يجب أن يكون لنا، وكنا هناك ويجب أن نبقى نعيد جنّة سورية أي الجولان. لذلك من امتلك خاصيّة الرواية والنصّ الروائي يجب أن يخرج بقوّة ليثبت أن الكاتب قادر عل التنوع في فنونه.
ما الدافع لكتابة رواية عن الجولان؟
الجولان هو رحمٌ؛ أنجب كلّ الجمال في المنطقة، فكيف لا ينجبني أنا لأكتب عنه، وإن لم أكن قد عشت فيه؟! فأنا ابنته التي يجب أن تقدّم له، ولو شيئاً بسيطاً في رواية، وأن أذكره في جماليّاته وبتاريخه وأهله الطيبين، وأذكر جمال المنطقة وخياراتها، وهو رئة سورية. وتخيل أن جسماً بلا رئة كيف له أن يستمر في الحياة!.
دائماً، يقال عني إني ابنة فلسطين أو الجولان، وهذا بسبب لقائي المتكرر مع أبناء هذه المناطق، وأعتقد أن المعاناة واحدة في الظلم وسلب الهويّة والشخصيّة، وسلب الحريّة. وعندما قست ذلك على نفسي وجدت الأمر قاسياً وصعباً، ولذلك اندفعت للكتابة عن الجولان وعن فلسطين، ولذلك يجب أن ينالوا حريتهم وأن يعودوا إلى بيوتهم، وأن تكون هذه الرئة التي منها نأخذ الأوكسجين النقي لسورية من جديد.
تتميّز إصداراتك بتقديم في بدايتها لأحد الكتّاب، فهل خيار أن يقدّم شخص لكتابك هو خيار ضروري؟
الحقيقة هو خيار غير ضروري، ولكن أنا أخذت من الكاتب «خالد أبو خالد»، ومن د. «حسن حميد» ومن الأستاذ «نصر محسن» ومن قدّم لي أيضاً، القوّة بأن كتابي موجود، وبأن هناك صبغة لكتاباتي، وهناك كثير من الكتّاب لا يضطرون لمن يقدّم لهم في كتبهم، ولكن أنا اعتبره توجيهاً لدفة السفينة بصورة صحيحة، وكان رأيهم في كتبي، وأحترمه جداً، وأعطوني الكثير.
مالجديد القريب لديك؟
لدي مجموعة قصصيّة بعنوان «عودة عشتار»، وأعني بها سورية الجميلة بكل شعبها وخيرها وحبّها، وأنا أشبه سورية بعشتار الممتلئة حباً وجمالاً وبهاء، وتتبادل الحبّ مع أولادها كما هم يمنحونها الحبّ، وعودة عشتار ستكون بعودة سورية منتصرة.
في الشعر لدي مجموعة من النصوص وتحديداً في الحالة التي مررنا بها وخمس سنواتٍ من القهر فلدي الكثير من الوجع والألم والإحباط والكثير من الأمل فيجب أن يكون هناك ديوان شعري يتحدّث عن المرحلة. وسيكون العنوان «تجلى اللـه من شرقها إلى غربها».
في الرواية لدي الجزء الثاني من «كنّا هنا» فهي لم تنته عند الحاجة أم أسعد وهي الجدّة الروحيّة لي، فأم أسعد ولدت من جديد، وحين توفاها الله، ذهبوا إلى مكان رفاتها ولم يجدوا جسدها، وروح أم أسعد عادت لتكون في الجزء الثاني من الرواية قريباً.