في الظل أو بعيداً عن الضوء
سيلفا رزوق:
رغيف الخبز الساخن يدخل البيوت ويحط على كل الموائد كضيف مرحب به على الدوام محافظاً على أهميته وحضوره ودوره الرئيسي مهما بلغ ثراء أصحاب تلك المنازل أو فقرهم.. طبعاً من غير أن يخطر على بال أي منهم مطلقاً أسماء أو وجوه كل أولئك الذين تعبوا وأنفقوا أعمارهم في سبيل أن يصل «صاحب السعادة» ذلك الرغيف المنتظر إلى الأمكنة التي يجب أن يصل إليها.. بدءاً من ذلك الفلاح الذي ينثر بذار قمحه دون كلل أو ملل وليس آخراً كل أولئك المهرة الذين تلامس أناملهم بكل دفءٍ وحنو حبات القمح الذهبية في رحلتها الشاقة وصولاً إلى محطتها الأخيرة.
القصة ذاتها تتكرر فصولها في العديد من جوانب حياة الناس إن لم يكن كلّها من غير أي استثناء، كالأعمال السينمائية والدرامية وحتى الإذاعية على سبيل المثال لا الحصر.. والتي تدخل مع عدد محدود جداً من نجوم الصف الأول طبعاً إلى دائرة الضوء والشهرة ومنها إلى ذاكرة الناس وعقولهم.. في حين يبقى الكثيرون من الجنود المجهولين في دوائر ضيقة بعيدة كل البعد عن عيون الناس وذاكرتهم وكذلك صفحات الصحف وعدسات الكاميرات! فقلما يتذكر الناس كاتب النص والسيناريو لهذا العمل الدرامي أو ذلك الفيلم على الرغم من كونه صاحب الفكرة والمشروع.. أو من صنع تلك الموسيقا الرائعة التي طارت وحلّقت بهذا العمل أو ذاك.. أو من أشاد ذلك الديكور المصمم بعناية ودقة تكاد تشابه الواقع، أو من ذلك المبدع الذي قام بتصوير تلك المشاهد التي أبهرت الكثيرين، أو من ذلك المايسترو الماهر الذي أشرف وتابع كل صغيرة وكبيرة ليأتي العمل على الشكل والهيئة التي خرج بها وليحقق في النتيجة هذا النجاح أو تلك المكانة! والقائمة تطول لتشمل الكثير ممن يشاركون بفاعلية.. من الماكيير إلى المونتير إلى مشرفي الصوت والإضاءة.. كل هؤلاء صنّاع مهرة مجهولون لولاهم ما كان للعمل الفني بأشكاله المختلفة أن يصل إلى شطآن الحياة بفعلٍ أشبه بالولادة.
أطباء ومهندسون.. مثقفون وفنانون.. مفكرون وإعلاميون.. أساتذة ومدرسون.. رياضيون وموسيقيون.. وكثيرون غيرهم شربوا من الكأس المرة نفسها!؟ بمعنى أنهم أنفقوا أيامهم وأعمارهم لكنهم بقوا في الظل أو بعيداً عن الضوء رغم أنهم أنجزوا وعملوا وقدموا بكل عزم وصدق وتفانٍ وإيثار!؟
إلى هنا والحكاية لم ولن تنتهي أبداً.. ففي كل زمانٍ ومكان هناك على الدوام جنود مجهولون لم ولن يبخلوا بأي جهد أو سهرٍ أو تعب لكنهم يظلون بعيدين عن دائرة الضوء والاهتمام؟ وعلى النقيض من شركاء لهم في نفس العمل والمكان؟
هنا يبرز جلياً دور الإعلام وبكل اتجاهاته وأنواعه (المرئي والمسموع والمكتوب) كلاعب فاعل وأساسي يسعى جاهداً وبشكلٍ متواصل لإنارة تلك الأزقة والشوارع على الرغم من خلوها من نجوم الذهب والفضة والألماس.
ربما يكون دور الإعلام الأساسي هو الإضاءة على حياة الناس فقيرهم وغنيّهم كبيرهم وصغيرهم ونقل تفاصيلهم بحلوها ومرّها وأن يحمل في ثناياه رائحتهم وهواجسهم ومخاوفهم.
لقد بات الإعلام أشبه بخبزٍ يومي في زمن الفضاءات والخيارات المفتوحة على كلّ اتجاه؟؟
خاتمة: تشرق الشمس صباح كل يوم وتحجز مكانها الدائم في كبد السماء.. لكن القمر يخشى غيابها «المفترض» فلن يراه الناس بعد ذلك أبداً.. وربما يفقد مكانه في ذاكرتهم وذكرياتهم!؟