اقتصاد

الحكومة وملف التهريب.. هل ستقلب الطاولة على المهربين الكبار قبل الصغار؟ … تجار يتهمون «الاقتصاد» و«الجمارك» بنشاط التهريب.. ووزير التموين: الباركود هو الحلَ «الاقتصاد» تحمل المسؤولية لارتفاع الرسوم الجمركية.. مدير الجمارك: ممكن إعادة النظر فيها لبعض السلع

| الوطن – محمد راكان مصطفى – عبد الهادي شباط

تعمل الحكومة على فتح سقوف الاستيراد للمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج، وتأمين القطع الأجنبي لها، كما تدرس تشجيع التصدير، وتسعى لربطه بالاستيراد، ورغم اللهجة التفاؤلية التي يشترك فيها مسؤولو الحكومة أمام هذه الخطط، يبقى الواقع متشائماً أمام المواطن الذي يسرق يومياً من قبل المهربين في الأسواق، فلا رقيب ولا من يحاسب، وقد كثر الكلام في الموضوع وهو معروف بكل تفاصيله، لكن يبدو لا نية حقيقية في تطييع الظروف باتجاه بوصلة المواطن في هذا الملف. علماً بأن رئيس الحكومة أعلن من تحت قبة مجلس الشعب منذ أيام أن مستعد لمناقشة أي ملف فساد على الهواء مباشرة، وكانت مكافحة التهريب والفساد عنوانين مترابطين في الوعود التي أطلقها خميس.

ولكون التهريب مثل السوس، ينخر كل ما تخطط له الحكومة ويهدد نجاحها، حري بنا فتح الملف من جديد لنذكر الحكومة بالتحديات أمام تنفيذ خططها، والتي يصر رئيس الحكومة على تنفيذها فوراً مع إقرارها، لذا يطلب مع كل خطة آليات تنفيذية واضحة ومتكاملة.. ولكن يبقى الواقع أقوى من كل الخطط، والنوايا أحياناً.. فأغلبنا يعرف بوجود أسواق مختصة ببيع المهربات غير خاضعة لأي رقابة وخارجة عن خطط الحكومة في ضبط التهريب، وهذا ما أكده أكثر من مسؤول ممن تحدثنا إليهم، فهل سيغير خميس الصورة النمطية ويقلب طاولة التهريب على المهربين الكبار قبل الصغار؟.. هذا ما ستكشفه الأيام القادمة؟ ونحن ننتظر.

الباركود هو الحلّ!
أقرّ وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبد اللـه الغربي لـ»الوطن» وجود كميات كبيرة من البضائع في الأسواق مجهولة المصدر والبضائع المزورة. وعن إجراءات الوزارة في الحد فعلياً من التهريب في الأسواق ومكافحة ظاهرة المنتجات المزورة كشف الوزير أنه وفي وقت قريب سيتم تفعيل نظام الرقابة الإلكترونية من خلال استخدام الباركود والذي سوف يعتبر بمثابة هوية للمنتج يحمل كافة بيانات المنتج من حيث المصدر وتاريخ الإنتاج ما يتيح لدوريات الضابطة العدلية التثبت من صحة البضائع الموجودة ومطابقتها مع البيان الجمركي أو الفاتورة، مؤكداً استحالة إمكانية تزوير هذا الباركود.

لغة تجارية لم تتغير
أرجع عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق منار الجلاد سبب نشاط ظاهرة تهريب البضائع والسلع عن طريق قنوات مختلفة من دول الجوار إلى داخل سورية إلى سياسة منح إجازات الاستيراد التي اتبعتها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية.
موضحاً أن تلبية احتياجات السوق يتم بتسرب البضائع عبر المناطق الواقعة خارج سيطرة الدولة، قائلاً: إن هناك متطلبات وحاجات للسوق سوف يقوم التجار أصحاب السوق بتلبيتها وإشباع هذه الحاجات بالطرق والوسائل غير النظامية في حال تم التضييق على الطرق النظامية.
منوهاً أن القطع الأجنبي الذي يغطي متطلبات السوق سوف ينفق سواء كان عبر الاستيراد النظامي أو عن طريق التهريب.
وأشار الجلاد إلى مشكلة قديمة جديدة وهي الرسوم الجمركية المرتفعة وخاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية، قائلاً: إن العلاج لحالة تسرب البضائع وتهريبها عبر بلدان الجوار يكمن في منح إجازات استيراد بلا قيود لتغطية حاجة الأسواق وتقاضي رسوم جمركية بشكل نظامي.
موضحاً أن جزءاً كبيراً من البضائع المهربة تسلك طريقها إلى سورية من ميناء مرسين إلى مناطق سورية خارج السيطرة ثم تجد طريقها إلى مناطق تحت سيطرة الدولة عبر العديد من المنافذ والنقاط لتدخل من دون رسوم جمركية. آملاً أن يتم فتح إجازات الاستيراد لتدخل عبر المرافئ السورية بشكل نظامي ويتم بذلك دفع الرسوم والضرائب المستحقة للدولة.
مؤكداً أن التقنين الذي كان متبعاً في منح إجازات الاستيراد ليس له أي آثار ايجابية تتعلق بمستوى أسعار القطع في السوق المحلية لأن الاستيراد غير النظامي يستنزف بدوره القطع الأجنبي بطرق أو بأخرى، وختم بقوله: إن الاستيراد بصورة نظامية يعود على الجمارك بإيرادات جيدة عن طريق الرسوم الجمركية، وهذا أفضل من دخول البضائع تهريباً وضياع الرسوم لتجد مكانها في جيوب المهربين بدلاً من الخزينة العامة للدولة.

ما في جعبة «الاقتصاد»
نفى مصدر مسؤول في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أن يكون التقنين في إجازات الاستيراد هو المتسبب في عمليات التهريب. موضحاً في تصريح لـ«الوطن» أن التهريب موجود قبل اعتماد سياسة الترشيد. وعزا حصول عمليات التهريب إلى العديد من الأسباب الأخرى التي ليس لها علاقة بسياسة الترشيد والتقنين وأبزرها الهروب من الرسوم الجمركية المرتفعة والتي تصل لبعض المواد إلى 30% وأحياناً إلى 50% وخاصة في عمليات التهريب التي تجري عبر لبنان إضافة إلى الوضع الأمني في المناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة.
وتعليقاً على ما يثار من تساؤلات واتهامات لسياسة التقنين في إجازات الاستيراد والتي تتسبب في حدوث عمليات التهريب قال المصدر: عودوا إلى الآلية الجديدة لمنح إجازات الاستيراد لأنها ألغت السقوف في إجازات الاستيراد بالكميات والقيم، إضافة إلى أن هذه الآلية قد فتحت الاستيراد بشكل كبير، حيث إن كافة المواد المشمولة بهذه الآلية لم يعد لها سقوف محددة وباتت تعطى وتمنح الموافقات بلا سقوف، وألغت هذه الآلية كذلك إجراءات التريث والتأجيل لأن كل المواد تمنح الموافقات، وذلك بمجرد أن تحقق الشروط التي تنص عليها الآلية الجديدة لمنح إجازات الاستيراد.

الجمارك تبرر
من جهته بين مدير عام الجمارك فواز أسعد لـ«الوطن» أن خروج أمانات جمركية عن الخدمة بسبب سيطرة العصابات الإرهابية على بعض المعابر الجمركية أدى إلى دخول البضائع إلى الأماكن المسيطر عليها من المسلحين، فوجدت المديرية العامة للجمارك نفسها مضطرة لأن تأخذ على عاتقها ملاحقة ضعاف النفوس وتجار الأزمات من خلال إصدار تعليمات متكررة لجميع العناصر الجمركية وضبط المخالفات وتغريم أصحاب العلاقة، والأمثلة واضحة من خلال القضايا المحققة فعلاً على أرض الواقع ومن خلال متابعة الموضوع بشكل يومي، مع تأكيده أهمية الرسوم الجمركية التي تحصل من قبل المديرية في رفد خزينة الدولة.
وعن لجوء بعض التجار إلى شحن بعض البضائع إلى دول الجوار بسبب انخفاض التعرفة الجمركية وتهريبها عبر المناطق التي تخضع لسيطرة العصابات الإرهابية المسلحة إلى باقي المناطق التي تخضع لسلطة الجمارك بموجب بيانات جمركية قديمة، بين الأسعد وجود البعض ممن يدعون أن البضائع التي تم ضبطها نظامية، ويقوم أصحابها بتقديم بيانات قديمة إلا أنه وفي كثير من الحالات يتم كشف زيف هذه الادعاءات أمام وقائع ثابتة كاعترافات السائقين، أو من خلال التحليل المنطقي وذلك عند التقدم ببيانات تعود لسنتين مضت لبضائع تم إدخالها عن طريق أمانة في منطقة جنوبية على حين يتم الادعاء أن البيان للبضاعة نفسها التي تم ضبطها بعد مرور سنتين مازالت بالوزن ذاته ويتم إدخالها تهريباً من المنطقة الشرقية، إضافة إلى الخبرة الكبيرة لعناصر لجنة الخبرة في الإدارة والتي تملك كفاءة عالية في مطابقة البضائع المضبوطة مع البيانات والوثائق.
وعن إمكانية تخفيض الرسوم الجمركية لبعض المواد وإن كان وفق قرارات مؤقتة لتكون مساوية للرسوم المحددة لها في دول الجوار، بما يسهم في جعل الربح الذي يحققه التاجر من خلال التهريب عبر دول الجوار وما يترتب عليه من أجور نقل وإتاوات تدفع لقاء مرور البضائع في مناطق سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة؛ أقل من الربح الذي يمكن تحقيقه عبر الاستيراد النظامي بعد دفع الرسوم الجمركية المترتبة على بضائعه، بما ينعكس على انخفاض التهريب ورفد الخزينة بعائدات جديدة وجيدة من الرسوم الجمركية الناتجة عن استيراد هذه المواد، بين الأسعد أنه ووفقاً للتوجه الحكومي فإن إدارة الجمارك منفتحة على جميع المقترحات التي تصب في مصلحة المواطن والتي من شأنها الحد من التهريب بما في ذلك إمكانية إعادة النظر في الرسوم الجمركية لبعض المواد.

أين التدخل الإيجابي؟
هنا يخطر ببالنا الدور المفقود لوزارة التجارة الداخلية في ضبط المهربات ودعم تواجد مؤسسات التدخل الإيجابي وتوسعها على حساب أسواق التهريب، الأمر الذي ترد عليه الوزارة ببدء مؤسسات التدخل الإيجابي بالاستيراد المباشر للتوسع بالسوق والحد من انتشار المهربات.
وفي تصريح لـ«الوطن» كشف مدير عام الاستهلاكية عمار محمد أن هناك جملة واسعة من محاور العمل الجديدة والآليات الأكثر فاعلية بدأت تنتهجها مؤسسات التدخل الإيجابي لزيادة حضورها في السوق وفاعليتها عبر امتلاك حصة سوقية أوسع ومؤثرة وقادرة على توجيه وقيادة السوق والأسعار وتوفير وتأمين المواد والسلع الأساسية للمواطن.
وحول أهم هذه الآليات بين المدير العام أنه يتم العمل حالياً نحو ثلاثة محاور مفردات أساسية هي تفعيل ما تم إقراره في السماح لمؤسسات التدخل الإيجابي بالاستيراد المباشر ودون وسطاء أو تدخل أي جهة عامة أو خاصة لتخفيض قيم وكلف المواد والسلع المستوردة سعياً لتخفيض الأسعار في السوق المحلية.
وهنا نتوقف مع المدير في السؤال عن الخطوات العملية في هذا الاتجاه كونه صدرت بعض التصريحات من الوزارة تفيد بالتريث في هذا الشأن ليوضح أن هناك مباحثات مع بعض الدول الصديقة مثل إيران حول إجراء نوع من التبادلات التجارية عبر تصدير بعض المنتجات الزراعية الفائضة مثل الحمضيات واستيراد مواد وسلع يحتاجها السوق المحلية بدلاً منها، وأنه تم إجراء العديد من الاتصالات في هذا الشأن لخلق الفرص المناسبة.
وكانت المفردة الثانية في إستراتيجية التدخل الإيجابي كما بين محمد وهي التسويق المباشر في السوق السورية المحلية من المنتج مباشرة دون أي حلقات للسمسرة أو الوساطة وفي هذا الشأن بدأت الاستهلاكية بشراء معظم احتياجاتها من المزارعين مباشرة أو الصناعيين من أرض المعمل حيث تم تأمين سيارات وشاحنات تتبع للمؤسسة لنقل الإنتاج من مصادره إلى صالات ومنافذ البيع حيث كانت بعض الجهات المنتجة ترفع أسعارها مقابل إيصال السلع إلى مستودعات المؤسسة إلا أن المؤسسة تغلبت على هذه الإشكالية وبدأت تنقل مشترياتها من أماكن الإنتاج تجنباً للزيادة السعرية التي كان يضيفها المنتج على أسعار مواده.
وانتقالاً مع محمد إلى المفردة الثالثة أو المحور الثالث في جديد عمل التدخل الإيجابي بين أنه يتمثل في آليات تسعير جديدة تصدرها الوزارة تتضمن تخفيضات في هوامش الأرباح بما يتلاءم مع القدرة الشرائية للمواطن في السوق وعن هوامش ونسب الأرباح التي تتقاضاها المؤسسات عن المواد والسلع التي تعرضها، أوضح على سبيل المثال أن جميع منتجات وزارة الصناعة لدى الصالات ومنافذ البيع في مؤسسات التدخل الإيجابي تباع وفق تسعيرة وزارة الصناعة من دون تدخل من هذه المؤسسات، وباقي المواد تباع إما بسعر التكلفة أو هوامش ربحية بسيطة تغطي نفقات ومصاريف المؤسسة.
كما أشار محمد إلى أن هذه المؤسسات تسعى لزيادة عدد وحجم السلع المعروضة لديها لتلبية طلبات الموطنين وخاصة المواد الأساسية وأن الأهم هو إضافة إلى زيادة التشكيلة السلعية يتم التركيز على نوع هذه السلع لطرح مواد معروفة وعليها طلب عال وعدم الاكتفاء بمواد رخيصة لكنها غير مطلوبة وإنما تنافس من جهة السعر والنوع والجودة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن