مذيع العرب وصاحب الفكرة سوري…هل تقوم وزارة الإعلام بإنجاز برنامج مشابه للمذيعين السوريين؟
عامر فؤاد عامر :
ألهب برنامج مذيع العرب قلوب متابعيه؛ على مدى شهرين ونصف الشهر تقريباً، فهو البرنامج الذي جمع بين صبغة الجديّة الكبيرة في التعامل مع مشتركيه العشرين، والتعاطي مع المادّة الإعلاميّة بمهنيّة وحرفيّة، والتي تعدّ في الأساس ميداناً شائكاً– كمادة تعليميّة- مقارنةً بباقي الميادين، وذلك لغناها، وتنوّع مدارسها أوّلاً، ولاعتمادها على توافر الموهبة في طالبها ثانياً. وقد جاء برنامج مذيع العرب ليحتوي على عدد من المشاركين– 20 مشتركاً تمّ انتقاؤهم– لتجري عمليّة تصفية لهم، وصولاً للأكثر تميّزاً من بينهم، وذلك ضمن اختباراتٍ كثيرة، غير متشابهة، بل تزداد غنى بين كلّ حلقة وأخرى، وهذا دلّنا على الحرص الشديد، والمتابعة الجيدة، من فريق عمل هذا البرنامج المؤلف من عدد كبير جاء بين فنيين، ومعدين، ومدربين، وعنصري الإخراج، والإنتاج، وعوامل أخرى كثيرة، ألّفت وجعلت من البرنامج يقوم على مقوّماتٍ ناجحة، والكثير من الكوادر التي تستحق التقدير والاحترام، ولاسيما أنّ هذا البرنامج يُعدّ نسخة وحيدة لا شبيه لها في أي مكانٍ آخر، فهو فكرة عربيّة تمّ الاجتهاد عليها، وتقديمها بقالبٍ مشوّق، سواء في فريق لجنة الحكم المؤلف من الإعلامي «طوني خليفة»، والإعلاميّة «منى أبو حمزة»، والفنانة «ليلى علوي»، إضافة للضيف الإعلامي في كلّ حلقة، الذي يحلّ رابعاً في تعداد لجنة الحكم، لكن ما يلفت الانتباه أيضاً هو أن صاحب فكرة برنامج «مذيع العرب» هو الدكتور «مأمون علواني» من سورية، والذي اعتمد قيام البرنامج على فكرته، ونشاطه، ومقدرته، على لمّ وجمع عناصر نجاحه، ليكون نسخة عربيّة إبداعيّة جديدة على مستوى العالم كله.
انتشار وانتقال
في الحلقتين الأخيرتين، كان وقع البرنامج على المستوى الإعلامي أكبر، إذ بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تتناقل أخباره بصورةٍ سريعة وعلى نطاق واسع، ومن ناحية أخرى كانت الحلقتان حماسيّتين جداً، خاصّة أنّهما حدّدتا الأسماء الأكثر تميزاً من غيرها، ومهدتا لحصول المتسابق على لقب مذيع العرب والمايكريفون الماسي، وفي الحلقة قبل الأخيرة كان الإعلامي الضيف هو «مهند الخطيب» من الأردن، الذي رافق لجنة الحكم في منح المتسابقين المتبقين الملاحظات اللازمة، والنصائح الضروريّة للاستمرار في تجربتهم الإعلاميّة مستقبلاً، والمتسابقون الخمسة هم: «خليل جمال»، و«ممدوح الشناوي» من مصر، و«ساندرا علّوش» من سورية، و«محمد الجنيبي» من الإمارات، و«كوثر أبو دراجة» من المغرب، وذلك بعد خروج المتسابقة السادسة «مروى شهاب» من المغرب أيضاً، والتي لم يخترها الجمهور أثناء وقوفها في منطقة الخطر، أو ما يسمى حسب تقاليد البرنامج بـ«الزابينغ» مع كلّ من «جمال خليل» و«محمد الجنيبي» لحصولهم جميعاً على أقلّ العلامات في تحصيل تلك الحلقة.
الأخيرة واحتفاليّة كبيرة
في الحلقة الأخيرة؛ التي كانت أشبه بالاحتفاليّة الكبيرة، وقد حملت دموع الفرح، والوداع، وتضمنت المساحة الكبيرة في التعبير عن المشاعر، ومحبة التجربة، وتبيان جماليّة أسرة البرنامج ككلّ، والتعاون الجاري بين الجميع، وقد كان ضيف الحلقة الإعلامي «جورج قرداحي»، المُكلّف بمهمة تقديم المايك الألماسي لمن ينتزع لقب مذيع العرب، إضافة إلى مجموعة من النصائح التي قدّمها للمتسابقين ليكونوا مهنيين ناجحين في الحياة العمليّة خاصّتهم، وقد شدد «قرداحي» على صفات الطبيعيّة، والعفويّة، والصدق في الأداء، وعلى الثقافة، والاطلاع الواسع الذي لا يتوقف لدى الإعلامي، وعلى صفة التواضع التي يجب تذكّرها مهما اشتهر الإعلامي، فبحسب رأيه يجب أن يمتلك الإعلامي هذه الصفات، ليكون رائداً في الساحة العمليّة، إضافة للقبول من قبل المتلقي، والتي لا يمكن للمرء الحصول عليها لأنّها هبة ربانيّة، ويذكر أن هذه الحلقة الأخيرة التي لم يُعتمد فيها لاختيار مذيع العرب على رأي لجنة الحكم بل على تصويت الجمهور فقط، خلافاً لكلّ الحلقات السابقة من البرنامج! وقد جاءت النتيجة بالتراتبيّة التالية فحددت: «خليل جمال» في المركز الأول لينتزع اللقب من بين الخمسة المتبقين، والذي منحته قناة «الحياة» المصريّة عقد العمل لخمس سنوات فيها، وبعده جاء «محمد الجنيبي» ثم «ممدوح الشناوي» فـ«ساندرا علوش» ونهايةً بـ«كوثر أبو دراجة».
إلغاء رأي اللجنة في الحلقة الأخيرة وحجة اعتماد تصويت الجمهور أوضح رغبة قناة الحياة المصريّة في اختيار ابن مصر ليكون في المركز الأوّل، ورغبة قناة أبو ظبي في اختيار ابن الإمارات ليكون في المركز الثاني. فهل من يعترض!
بالعودة أيضاً؛ احتوت الحلقة قبل النهائيّة من برنامج مذيع العرب على عدد من المفاصل المهمّة، فقد استضاف كلّ من الستة المشتركين ضيفاً من لجنة الحكم والمقدّمين ليكون حواراً امتحانيّاً بين طرح الأسئلة، وإدارة الحوار، والتعامل مع الضيف، وصولاً لعلامة تحدّدها لجنة الحكم، وكانت البداية مع الفنانة «ليلى علوي» التي حلّت ضيفة المتسابق «خليل جمال»، الذي لم يحصد رضى كاملاً من اللجنة بسبب المستوى العادي الذي قدّم به النجمة، أمّا «محمد الجنيبي» فقد كانت ضيفة حواره الإعلاميّة «سالي شاهين» مقدّمة البرنامج، وقد نجح في حواره على الرغم من الجديّة الزائدة التي تعامل بها مع ضيفته، وكان لـ«كوثر أبو دراجة» طريقتها في الاستعراض مع ضيفها الفنان «أحمد سعد» الذي أطرب الجمهور بمجموعة من أغنياته على مسرح «مذيع العرب»، فجاء حوارها غنيّاً ومفيداً بإجماع أعضاء لجنة الحكم، وكان لـ«ممدوح الشناوي» استضافة الإعلاميّة «منى أبو حمزة»، والذي جاء بمستوى ممتاز معترفاً بفائدته من المعلومات التي قدّمتها أثناء الحديث معها، أمّا «مروى شهاب» فكان ضيفها الإعلامي «طوني خليفة» الذي كان بمستوى جيّد، على الرغم من تعليق «طوني» عليها كعضو في لجنة الحكم، بأنّه توقع منها أسئلة أكثر قوّة، أمّا المتسابقة «ساندرا علوش»، فكان ضيفها الفنان «قيس الشيخ نجيب» الذي ظهر كمقدّم للبرنامج، وكان اللقاء مميزاً بلحظاته العاطفيّة، والتي اعتبرها كلّ من «طوني» و«منى» نقطة ضعف في حوارها، فلاماها مشيدين بقوتها، وحضورها على مدى الحلقات السابقة من البرنامج، في حين وصفتها «علوي» بشكلٍ لطيف، وشجّعتها أكثر، أمّا الإعلامي الضيف «مهند الخطيب» فقد منحها علامة قويّة، على اعتبار ما قامت به من إثارة عاطفة الضيف، والمشاهد معاً بالنقطة الناجحة في حوارها، والداعمة لها، مخالفاً بذلك رأيي «منى» و«طوني» ومشيداً بمقدرتها كإعلاميّة ناجحة.
منى أبو حمزة الأكثر جرأة في قول كلمة الحق، لم تعبأ لفكرة البثّ المباشر وهددت القائمين على البرنامج لعدم قناعتها في نتائج التقييم، وامتنعت عن التصويت.
الاشتراك في النجاح
من وقائع الحلقة الأخيرة؛ أنها قدمت استعراضاً لفريق التدريب وآرائهم، وهم «أنطوان كسابيان» الأستاذ في الأداء الإعلامي، و«جهاد الأندري» الأستاذ في التمثيل، و«خالد العبد الله» الأستاذ في تدريبات الصوت، و«بسام براك» الأستاذ في اللغة العربيّة الفصحى، ومصمّمة الأزياء «سانا لابيل» التي اعتُمد عليها في لباس المشتركين ولجنة الحكم، وقد شاركت الفنانة «لطيفة التونسيّة» في الحلقة الأخيرة بمجموعة من أغنياتها الخاصّة، وأشادت بالبرنامج، وأثنت على الفكرة، لأنها عربيّة بامتياز، وجاءت استضافة الدكتور «مأمون علواني» صاحب فكرة برنامج مذيع العرب لافتةً، فهو من علّم المشتركين في البرنامج كيفيّة صناعة التقرير التلفزيوني، ومنح كلاً من الخمسة المتبقين ملاحظة في شخصيّته إعلاميّاً، مع مجموعة من النصائح الأخيرة. وبعدها جاءت كلمة كلّ متسابق لتكون كلمة ختاميّة قبل إعلان النتائج فتميزت ساندرا علوش بتقديم متفرد جمع بين قوة الحضور والنطق اللغوي السليم ودموع اللجنة وانفعال ليلى علوي معها وثناءات اللجنة بالمجمل فكانت سفيرة سلام من دمشق، وبعدها كلمة «خليل جمال» الذي أشادت به اللجنة وعن تطور أدائه واستفادته من التدريبات المكثفة وتوازنه في شخصية الإعلامي الشاب، ثم كانت كلمة محمد الجنيبي الذي ودع اللجنة بمحبة وذكرهم بكلماته وتحدياته منذ بداية البرنامج وبحيويته التي أوصلته للحلقة الأخيرة وإجماعهم على خُلقه، أمّا كلمة «ممدوح الشناوي» فجاءت بحماسه المعتاد ورغبته في العرض الذي امتزج بين الفرح والتفاؤل ومحبة اللجنة لحضوره، ونهايةً جاءت كلمة «كوثر بو دراجة» التي كشفت فيها أسراراً شخصيّة وعائلية، وبطريقتها الأنيقة سحرت اللجنة وجعلتهم أكثر تشجيعاً وثناء لها.
إعلامنا يهبط بالمذيع
انتهى برنامج «مذيع العرب» وأصبح ذكرى لمن تابع واستمتع، لكنه ترك غصّة لدى مقارنتي لمجموعة من الصور والمعطيات بين تجربة سوريّة تفردت بها كلّ من ساندرا علوش ودانيا زرزر ضمن هذه المنافسة العربيّة التي حققتا من خلالها تفوق الموهبة السوريّة بغض النظر عن النتائج التي خلّفها البرنامج، فأن تحظى كلّ منهما على المايك الذهبي مرتين من بين الجميع هو أمر لم يحصده بعضهم ولو مرة واحدة، وأيضاً أن تتمتع دانيا زرزر بخصوصية الارتجال وهي الأصغر سنّاً بين الجميع ولا تجربة إعلامية سابقة لديها بعكس الجميع، وأنّ تحظى كلّ منهما على المزيد من الثناءات، والأهم من ذلك تمثيل الشام وسورية بطرية لائقة، فكل ذلك يدلّ على موهبة السوري في أن يكون إعلاميّاً رائداً كخامة وحضور وتوجّه، فما بال إعلامنا المحلي لا يرفع من هذه الخامات بدل أن يهبط بها، فلدينا من ساندرا ودانيا الكثير من الخامات التي يمكن أن تكون مميزة ولامعة وتخدم مجتمعها بصورة غير متوقعة، فعلى من سنرمي بعتبنا ولومنا سوى على صناعة الإعلام الرديئة التي لم نستطع تغييرها منذ سنواتٍ وسنوات.
من الملاحظات الدارجة في الإعلام السوري أن مذيع الراديو معروف ومشهور بين الناس بما لا يقارن مع مذيع التلفزيون السوري.
اقتراح ممكن
لماذا لا يقام مثل هذا البرنامج في سورية برعاية وزارة الإعلام، فإذا كنا نملك الخامات والأفكار والمقدرة على الإبداع، يصبح السؤال أكثر مشروعيّة، ومن الممكن أن يكون برنامج كهذا نواة أكاديميّة سوريّة نحو العالم العربي، وكلنا يعلم أهمية الإعلام وحربه اللاذعة التي ذاقت منه سورية في فترة الأزمة، فمن خلال متسابقتين ضمن برنامج له صبغة عربية كان الحضور السوري طاغياً فكيف إذا كان لدينا فريق كامل من الإعلاميين المدربين والمنطلقين في ساحة الإعلام عربيّاً، فهل هو أمرٌ مستحيل؟! ونحن نمتلك الإمكانات كلّها وليس كغيرنا من الدول العربية التي تمتلك مالها فقط فتسعى لسحب الطاقات والمبدعين من دول الجوار ليكونوا أداة خطرة حتى على سورية نفسها وجميعنا يعلم إلى أين تشار أصابع الاتهام اليوم.