ثقافة وفن

سيادة الوزير: ع الروزانا… وكل دروب الحب توصل إلى حلب … تجار حلب اشتروا الفواكه والمحاصيل اللبنانية الطبيعية بأسعارها في بداية القرن العشرين لإنقاذ الشقيق

| شمس الدين العجلاني

حلب الجريحة… حلب التي تئن تحت ضربات الإرهاب.. حلب التي لم تؤمن بمقولة (النأي بالنفس) حلب رغم الجراح تعتذر للبنان ولسان حالها يقول: جرحي عميق والأعراب والغربان ولصوص الليل والنهار يذبحون أطفالي ونسائي، شبابي وشيوخي، ليتني يا لبنان أمد لك يد المساعدة كما كنت أعمل دوما لأن:
«كل دروب الحب توصل إلى حلب»…
الوزير: جبران باسيل وزير خارجية لبنان
الروزانا: باخرة إيطالية
البطل: مدينة حلب
الحكاية: كساد التفاح اللبناني

يعاني لبنان الشقيق هذه الأيام كساداً للتفاح، والحكومة اللبنانية لم تأل جهداً في البحث وطرق جميع الأبواب لتأمين أسواق لتصدير موسم التفّاح بدءاً من أبواب السماء إلى أبواب الدول والجمعيات… لأن كساد التفاح اللبناني يضرب كل العائلات في الجبال، ويؤدي إلى النزوح وترك أرضهم، وهذا يعتبر تهجيرا لهم، حسب رأي اللبنانيين أنفسهم.. طبعا لم ينس باسيل طرق أبواب وزراء الخارجية العرب..
مواقع نت ومواقع التواصل الاجتماعي اللبنانية علقت على وزير الخارجية أنه وجد حلاً للمزارعين اللبنانيين بتصريف موسم التفاح على حساب اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان. وتابعت بالقول باسيل غرد على حسابه في «تويتر»، أثناء مشاركته في اجتماع وزراء الخارجية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك اليوم، الخميس 22 أيلول، «تكلمت مع عدة دول ومنظمات دولية سابقاً، وحالياً خلال وجودي في الأمم المتحدة، وزادت قناعتي أن تصريف التفاح يكون بإلزام منظمات النازحين بشرائه».
وكان المزارعون اللبنانيون قد ناشدوا وزارة الزراعة والحكومة اللبنانية إيجاد أسواق خارجية لتصدير موسم التفاح بعد كساده في المخازن، إلا أنهم لم يتوقعوا أن يكون التصريف بهذه الطريقة.
برنامج الأغذية العالمي ردَّ بتغريدة عبر حسابه الرسمي في «تويتر»، على باسيل بالقول: «يوزع برنامج الأغذية العالمي في لبنان وجبات مدرسية تتضمن التفاح اللبناني وحتى نهاية العام الدراسي المقبل يكون قد وزع 200 طن».
ولاقت خطة باسيل في تصريف التفاح ردة فعل غاضبة من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبروا ذلك استهزاء واستخفافاً باللاجئين الموجودين في لبنان.
ويقولون: إن البروفسور والمثقف اللبناني، أسعد أبو خليل، رد على باسيل بالقول: «ماذا لو بعنا تفاح لبنان إلى الدول المانحة على أن يأخذوا جبران باسيل مع البيعة مجاناً».
واقترح أبو خليل على اللاجئين السوريين أن يردوا على باسيل بالقوة قائلاً: «جبران باسيل يريد أن يطعم تفاح لبنان الكاسد بالقوة إلى اللاجئين السوريين، أقترح على اللاجئين السوريين أن يطعموا جبران باسيل بالقوة ما يريدون تجاوباً مع حسن ضيافته».
وكان ناشطون قد أطلقوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم «باسيل- لازم- يستقيل»، طالبوا فيها باستقالته، بسبب إساءته للبنان الذي يمثله في الخارج، عبر تصريحاته العنصرية المتكررة ضد اللاجئين السوريين.
و يذكر ناشطون، صحيح أن لبنان يعاني أزمة كساد كبيرة في موسم التفاح الذي يواجه صعوبة في التصريف إلى الأسواق الخارجية، وصحيح أن صرخات المزارعين بدأت تعلو من واقع الحال، وسط غياب وزارة الزراعة… لكن أن يطرح وزير خارجية بلد كلبنان، يعاني ما يعانيه من أزمات، مثل هذا الطرح، ومن نيويورك، بدا وكأنّه يستدعي كمّ السخرية الذي انهال عليه.
إذاً ملخص الحكاية: إن لبنان الشقيق يعاني كساد التفاح اللبناني بعد إغلاق الأسواق العربية بوجهه، والذي بدوره له انعكاسات خطرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان… وعلى الرغم من الوزير ومن معه من الحكومة لم يألوا جهداً في طرق الأبواب ولكن (لا تندهي ما في حدا)!؟
ولو فكر أطفال لبنان وكان لهم اليد الطولى في حل مشكلة (التفاح) لوجدوا الحل سريعاً لدى المندوب السامي السعودي في لبنان!؟ لو أراد!؟ فهل يعجزون من يتبجحون بأنهم مع لبنان قلباً وقالباً، أن يشتروا التفاح اللبناني!؟ أم إن حكاية التفاح مثل حكاية هبة السلاح!؟
في زمان ما ومكان ما تعرض لبنان للحكاية نفسها وحينها قام عدد من تجار حلب بشراء تفاح لبنان من دون طلب من وزير ما، وطرق الأبواب وإزعاج الجيران!؟

الروزانا
تعتبر أغنية «عالروزانا» من أشهر أغاني التراث في البلاد الشامية، ولو عرف أهلنا حكاية هذه الأغنية، ومغزاها لما كسد تفاح لبنان!؟
«الروزانا» في الأساس هي تعريب لكلمة «روجنا» الفارسية، وقد تكون تركية أيضاً في الوقت ذاته، وهي فتحة مستديرة في سقف المنزل القديم يدخل منها ضوء الشمس، ويخرج منها دخان موقد الحطب في الشتاء، كما توضع فتحة مماثلة في أعلى الخوابي الطينية التي يخزن فيها القمح. رويت عدة حكايات عن «الروزانا»، وأغلبها تدور حول قصة سفينة تدعى «روزانا». فيقولون إنه زمن الاحتلال العثماني، أرسل الأتراك باخرة كان اسمها «روزانا» محملة بالمواد الغذائية الرخيصة وأكثرها عنب وتفاح لبيعها في أسواق بيروت وللمضاربة على تجارها، وهذا ما حصل فعلا، فتكدست البضائع اللبنانية في الأسواق وكادت تتلف، ليأتي تجّار حلب ويتضامنوا مع اللبنانيين ويشتروا كل محصولهم، وينقذوهم من الفقر والعوز.
وروي أيضاً أنه في بداية القرن العشرين حصل أن قامت إحدى الدول الأوروبية (إيطاليا) بإرسال سفينة إلى شواطئ لبنان محملة بالتفاح والعنب رخيص الثمن مقارنة بالبضاعة المحلية في لبنان، وعند وصول السفينة وإنزال البضاعة في الأسواق حصل كساد كبير للفواكه اللبنانية ما أثر سلباً في دخل أهل البلد وأثار مشكلات تسببت بفقدان التجار لأموالهم وخسارتها وأضر بالفلاح والمحاصيل الزراعية.. وعندها قرر تجار مدينة حلب السورية أن يساعدوا إخوانهم في لبنان ما دعاهم إلى شراء كل الفواكه والمحاصيل اللبنانية بأسعارها الطبيعية وبيعها في الأرض السورية والدول المجاورة كالعراق وتركيا والأردن.
من قال إن السفينة تركية، معه الحق، لأن الأتراك في الزمن الغابر كانوا يحتلون دولا كثيرة أذاقوا شعوبها الأمرين.. ولكن على أغلب الظن أن السفينة إيطالية الجنسية والمرسل لها هي إيطاليا، وتقول الحكاية الأقرب للحقيقية إن: حلب تجير لبنان.
في أوائل ستينيات القرن التاسع عشر، وأثناء الفتنة الطائفية التي عصفت في لبنان الشقيق، تدخلت أصابع الدول الاستعمارية في افتعال الفتنة وتأجيجها، وأرادوا تهجير اللبنانيين من بلادهم، ، فقدمت إلى الشواطئ اللبنانية باخرة إيطالية اسمها «الروزانا» وكانت تحمل تفاحاً من هناك، لتبيعه في لبنان بأسعار متدنية جداً مقارنة بالتفاح اللبناني، وذلك بغرض ضرب المنتج اللبناني من التفاح ومن ثمَّ كساده لدفع المزارعين إلى ترك أراضيهم والهجرة إلى أصقاع العالم.
وهنا كانت حلب وتجارها الصدر الحنون للبنان واللبنانيين، فقام عدد من التجار الحلبيين بشراء موسم التفاح اللبناني بسعر مجيدي واحد للتفاحة، وهذا السعر آنذاك كبير جداً لمثل هذه الصفقة، ففشلت خطة المستعمر ونجح لبنان حين احتضنته حلب، ورحلت «الروزانا» غير مأسوف عليها خاوية الوفاض، وهنا ظهرت الأغنية الشهيرة:
ع الروزانا ع الروزانا
كل الأسى فيها
شو عملت الروزانا
الله يجازيها
يا رايحين ع حلب
حبي معاكم راح
يا محملين العنب
تحت العنب تفاح

وبعد
عشرات من المطربين اللبنانيين والسوريين غنوا أغنية «ع الروزانا» وكان من أهمهم صباح فخري، فيروز، وصباح.. سنوات وسنوات تفصلنا عن حكاية «الروزانا» ونسوا ونسينا هذه الحكاية، التي تحكي أنه لا يمكن فصل المشيمة بين لبنان وسورية، لم تكن حلب وحدها عبر الأيام والسنين مناصرة للبنان، بل كل الأطياف السورية هي مع لبنان أرضاً وشعباً، وصفحات التاريخ تروي الكثير من القصص والحكايات.
والتراث لم ينس والفلكلور لم ينس والتاريخ شاهد على كرم ورجولة أهل حلب الجريحة.. ولم تزل «ع الروزانا» تتربع عرش أغاني التراث الشامي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن