إعادة الجامعات الخاصة إلى مقراتها الأصلية بين المصلحتين العلمية والشخصية .. قرار غير صائب الآن…. والطلاب: هل هو تطفيش.. أم..؟ … سفر: عقبات كثيرة تقف في وجه عودة الجامعات الخاصة إلى مقراتها الدائمة
| محمود الصالح
هاجرت معظم الجامعات الخاصة تاركة مقراتها الأصلية قاصدة المناطق الآمنة منذ بداية الأزمة واستمر معظمها في تقديم الخدمات التعليمية في ظروف أحسن ما يقال عنها إنها ليست مثالية. لا مخابرها مخابر ولا قاعاتها توفر الراحة للطلاب بسبب الاكتظاظ فيها.
اليوم بعد مرور عدة سنوات على هذه الهجرة القسرية يبدو أن الحكومة أصبحت ترى أنه حان الوقت لعودة الجامعات الخاصة إلى مقراتها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. جاء القرار الحكومي مفاجئاً لأصحاب وإدارات وأساتذة وطلاب هذه الجامعات. البعض يراه غير مناسب في التوقيت والبعض الآخر يعتبره قراراً صائباً وطرف ثالث لا يرى إمكانية لتحقيقه في الوقت الحالي. ولأنه لا إمكانية لعودة كل الجامعات التي هاجرت من مقراتها فإن هذا القرار سيبقى استنسابياً. حيث لن تعود جامعات الرقة ودير الزور والحسكة ومنبج والباب وإدلب وريف حلب إلى مقراتها لأن مقرات هذه الجامعات غير آمنة. وهناك إحدى الجامعات أصبحت بتصرف مجلس الوزراء وعلى عاتقه يقع تمويلها واستثمارها وضيق ذات اليد لن تسمح بتوفير الأموال المطلوبة لإعادة تأهيل المقر الدائم لهذه الجامعة في المدى المنظور وأخرى تهدمت أجزاء واسعة منها وما زالت في منطقة اشتباك ولن تتم إعادة تأهيلها قبل عامين إن تم البدء اليوم بإعادة التأهيل. وبالنظر إلى الصورة بشكل متكامل يتضح أن قرار إعادة الجامعات الخاصة إلى مقراتها الأصلية لن ينفذ بشكل فعلي في المدى المنظور.
أسئلة كثيرة وضعناها عند اعتزامنا البدء بهذا التحقيق الصحفي. منها ما كنا على يقين أننا لن نجد لها إجابة ومنها الآخر سعى البعض كعادتهم لتفعيل الشرطي في داخله للإجابة عنها. بعض الإجابات كان مبطناً وبعضها الآخر كان واقعياً وكثير من الإجابات المكتوبة لم يستطع مقدموها التعبير عن حقيقة ما يريدون قوله على الرغم من أننا نحاور في هذا التحقيق الصحفي طيفا واسعا من الفئة المتنورة. أردنا الوصول إلى حقيقة ما يريده الكل وزارة التعليم العالي وأصحاب الجامعات الخاصة وإداراتها والأساتذة والطلاب وذووهم. بدت الصورة ملتبسة لدى البعض لأنهم لا يريدون المجاهرة بحقيقة هواجسهم.
قرار غير مناسب في التوقيت وليس لمصلحة الطلاب ويصب في مصلحة بعض الجامعات وضد مصلحة جامعات أخرى وخصوصاً أنه صدر في موعد التسجيل في بداية العام الدراسي. ماكينة «الوشيشة» أصبحت تروج بين الطلاب وأهاليهم أن هذه الجامعة لن يسمح لها بالاستمرار في دمشق وتلك الجامعة ستغلق أبوابها بعد حين وإشاعات لا تحمل في طياتها براءة التنافسية.
«الوطن» توجهت إلى عدد من الجامعات الخاصة التي تتخذ من مدينة دمشق مقراً مؤقتاً لها بسبب الظروف الأمنية المحيطة بمقراتها الدائمة. البعض من هذه الجامعات استجاب لحوارنا وبعضها الآخر رفض لأسباب لا يريد الحديث عنها بينما وافق البعض الآخر على مناقشة الموضوع لإيمانه أن عمل هذه الجامعات ليس ملكا لأصحابها بل هو مصلحة وطنية أولاً ومصلحة طلابية وعلمية بالدرجة الأخرى.
البداية كانت من جامعة اليرموك الخاصة التي حدثنا الدكتور عادل سفر رئيس الجامعة عن رأي الجامعة بقرار وزارة التعليم العالي في عودة الجامعات الخاصة إلى مقراتها الأصلية قائلاً: إن جامعة اليرموك لا ترى مانعا من العودة إلى المقرات الدائمة وبخاصة في حال توافرت الظروف الملائمة لأنه ستكون هناك فوائد كبيرة من حيث توافر المناخ التعليمي والاستقرار وكذلك توفير النفقات العالية المتمثلة بأجور المقرات المؤقتة وكذلك في تأمين الكوادر الإدارية والتعليمية المستقرة. إلا أنه في ظل الظروف الحالية فإن القرار يحتاج إلى تأمين متطلبات تنفيذه ومن أهمها تأمين الانتقال السهل من المقرات وإليها وإعادة تأهيل البنى التحتية وخاصة للجامعات التي تضررت نتيجة الأعمال الإرهابية وتأمين الكهرباء والاتصالات والمحروقات ويمكن أن نقول إن العودة للمقرات الدائمة وفقاً للقرار له مجموعة من السلبيات أهمها عدم الشعور بالأمان والطمأنينة من الأهالي والطلبة ما سيدفعهم لترك الجامعات وإرسال أولادهم إلى الخارج. الزمن الطويل اللازم للوصول إلى الجامعات والعودة منها والمقدر بين 3-4 ساعات يومياً بسبب الحواجز على الطريق المؤدية إلى المقرات الدائمة. الكلفة العالية لنقل الطلبة الناجمة عن غلاء الوقود والزمن الطويل للنقل والذي سيشكل بالتأكيد عبئاً ثقيلاً على الطلبة. عدم توافر خدمات الكهرباء بالشكل المستمر والذي يحتم تشغيل المولدات الاحتياطية لفترات طويلة ما يرتب كلفة كبيرة على الجامعات فيما إذا استطاعت تأمين المازوت بالسعر الرسمي. عدم ضمان خدمات الاتصالات والانترنت بشكل دائم ما يعطل الخدمات الإلكترونية والنظام الأكاديمي للجامعات وهو أساسي في العملية التعليمية. صعوبة إقناع أعضاء الهيئة التدريسية المتعاقدين جزئياً باستمرار العمل مع الجامعة بسبب مصاريف وزمن النقل الطويل.
ويضيف الدكتور سفر قائلاً: قامت الجامعات الخاصة خلال هذا العام بتجديد عقود الإيجارات للمقرات المؤقتة داخل مدينة دمشق وهذا يحمل الجامعات خسائر كبيرة. إضافة إلى كل ذلك فإن بعض الجامعات مثل اليرموك وقاسيون تعرضت لأضرار كبيرة نتيجة الأعمال الإرهابية وهي تحتاج إلى ترميم. كل ذلك سيزيد الأعباء المالية نتيجة المتطلبات الإضافية ما يتطلب زيادات كبيرة بأقساط الطلبة لتغطية النفقات نظراً لعدم تماشي الأقساط بالأصل مع مستوى ارتفاع الأسعار. هذا ما يراه رئيس جامعة اليرموك التي تلتزم رئاسة مجلس الوزراء بالإنفاق عليها من ميزانية الدولة.
أما الدكتور شوقي البطل رئيس جامعة قاسيون فيرى أن قرار الحكومة بإعادة الجامعات الخاصة إلى مقراتها الدائمة يجب أن ينفذ لما له من مردود إيجابي على الطلاب لأنهم سيتابعون الدراسة في مقرهم الدائم بدلاً من المقر المؤقت لأن الكليات هناك مجهزة بكل التجهيزات اللازمة للعملية التعليمية وهناك يشعر الطلاب بالاستقرار في المباني التعليمية التخصصية التي كلفت مبالغ طائلة وفيها راحة واطمئنان للطلاب والأساتذة معاً. ويستدرك الدكتور البطل قائلاً: ولكن لكون هذه المقرات قد تم بناؤها على طريق درعا من الدير علي القريبة من دمشق وانتهاء بمسافة تبعد عن دمشق 50 كم مقابل منطقة اللجاة غير الآمنة حالياً ما يجعلني أعتقد أن ظروف بعض الجامعات لن تكون مهيأة للانتقال في المدة التي حددتها وزارة التعليم العالي تنفيذاً لقرار الحكومة بهذا الشأن ويجب أن تعطى الفترة اللازمة لإصلاح الأضرار التي وقعت على الجامعة وهي تحتاج إلى وقت كاف لتنفيذها. ويضيف البطل: قد تكون هناك رغبة لدى الطلاب والأساتذة في البقاء في المقرات المؤقتة داخل مدينة دمشق على الرغم من عدم مناسبتها قياساً إلى المقرات الدائمة. وعن توافر الإمكانية لدى جامعة قاسيون للانتقال في الوقت الحالي بين البطل: بالنسبة لجامعة قاسيون لن يكون بإمكانها الانتقال إلى مقرها الدائم خلال المدة التي حددتها الوزارة لأسباب أبلغنا بها وزارة التعليم العالي عندما وصلنا قرار الوزارة بالانتقال من بداية الفصل الدراسي الثاني القادم.
رئيس الجامعة السورية الخاصة الدكتور محمد رياض الغزي اعتبر أن القرار جاء في وقته المناسب لأنه يؤكد أن البلد قد أصبح بخير وعاد إلى تعافيه وخاصة أن هذا القرار صادر عن جهة رسمية عالية تثبت لنا إزالة المعوقات وعدم وجود مانع في العودة إلى المقرات الدائمة. وهو قرار إيجابي يخلصنا من دفع تكاليف إضافية تدفع في المقرات المؤقتة. وهذه المقرات المؤقتة ليست مناسبة لتكون مقرات تعليم عال حيث لا تتوافر المخابر والقاعات المناسبة. وهذا القرار ليس مفاجئاً لنا بل يتم الحديث عنه منذ فترة طويلة ونحن في السورية الخاصة اتخذنا استعداداتنا للعودة ويمكننا العودة الآن. ولا يوجد أي مبرر للأساتذة أو الطلاب بعدم الانتقال إلى المقرات الدائمة لأن النقل متوافر وخصوصاً أن مقرنا الدائم قريب جداً من مدينة دمشق ولدينا سكن طلابي في المقر الدائم وجميع التجهيزات متوافرة الآن في مقر الجامعة الدائم.
وعن وجود أعباء مالية إضافية على الطلاب ناجمة عن هذا القرار أكد رئيس الجامعة أنه لا توجد أعباء على الطلاب ويفترض أن عليهم البحث عن مستوى علمي عالٍ لا يتوافر الآن في المقرات المؤقتة وخاصة للكليات الطبية وكذلك الجامعة لا توجد لديها أي خسارة مالية جراء عودتها إلى مقرها الدائم.
وعن قيام الجامعة باستقصاء آراء الطلاب في العودة إلى المقر الدائم نفى رئيس الجامعة قيامهم بذلك ووعد بالقيام بحملة توعية وسط الطلاب لتعريفهم بأهمية العودة إلى المقرات الدائمة.
وعن أعداد الطلاب في الجامعة بين الدكتور أن العدد الحالي 300 طالب وطالبة وفي هذا العام هناك 150 طالباً في كلية الطب و250 طالباً في كل كلية من كليات طب الأسنان والصيدلة و80 طالباً في الكليات الهندسية. هكذا ترى القرار الجامعات الخاصة التي تمكنا من الحديث مع إدارتها ولكن كيف يراه الطلبة والمدرسون أصحاب المصلحة الحقيقية في هذه العملية.
محمد طالب هندسة في إحدى الجامعات أبدى استغرابه من صدور هذا القرار وتساءل هل يقبل الوزير أن يرسل أبناءه إلى مقرات الجامعات في طريق درعا. ويرى أن صدور هذا القرار جاء لمصلحة الجامعات التي ستستمر في المدينة.
وفاء طالبة مستجدة سجلت على المفاضلة وأكدت أنها في حال نجحت لن تتابع دراستها في الجامعة خارج مدينة دمشق. علي طالب إدارة سنة 3 قال: نحن سجلنا في الجامعة على أساس أنها في دمشق واستأجرت بيتاً ولو كنت أعرف أن الجامعة ستعود إلى درعا لكنت سجلت في بيروت. علي طالب صيدلة تساءل: لماذا دائماً الطلبة هم ضحية خلافات المصالح..؟ وأضاف هذا القرار صدر بدوافع شخصية لدعم بعض الجامعات على حساب جامعات أخرى. وتساءل في حال لم يتوافر النقل المنتظم، من يضمن لنا أننا سنصل في الوقت المناسب إلى جامعاتنا خلال الامتحان؟
سهى قالت: يجب أن يؤجل تنفيذ القرار لحين عودة الأمان إلى كل المناطق لأن أهلي بالتأكيد لن يسمحوا لي بمواصلة دراستي خارج دمشق في الوقت الحالي. عدد من الأساتذة ممن التقيناهم خلال إجراء هذه الحوارات في مقرات الجامعات الخاصة أجمعوا على أن الأغلب من الأساتذة لن يذهبوا إلى المقرات خارج دمشق بسبب التكاليف الكبيرة التي يمكن أن تصل إلى 100 ألف ليرة مصاريف بنزين وإصلاح وغيرها للسيارة الخاصة لأنه من غير المعقول أن يتم نقل الأستاذ الجامعي والطالب في الباصات.
وبغية إكمال الصورة توجهنا إلى المنظمة الطلابية التي تمثل الطلاب وتدافع عن مصالحهم لمعرفة رأيها في هذا القرار فأفادتنا السيدة دارين سليمان رئيسة مكتب التعليم الخاص في الاتحاد الوطني لطلبة سورية قائلة: ننظر إلى هذا القرار الحكومي على أنه خطوة من خطوات توفير الراحة والأمان نتيجة بسط سيطرة الجيش العربي السوري على مناطق ريف دمشق وطريق درعا إضافة إلى أن هذه المقرات هي أحد معايير الترخيص لهذه الجامعات وإطلاق إسهاماتها العلمية والاجتماعية والطلابية والأكاديمية. وانطلاقا من ذلك نرى ضرورة تذليل الصعوبات أمام تنفيذ القرار واتخاذ خطوات عملية من الجهات المعنية في الحكومة بدءاً من تأمين وسائل النقل وتوفير جميع الخدمات اللازمة إضافة إلى دعوة هذه الجامعات إلى إعادة تأهيل مقراتها والحفاظ على الكوادر التدريسية في هذه الجامعات وبالتالي إعطاؤهم مهلة كافية لأخذ هذا الأمر بالحسبان. ولذلك نرى أن يتم تحديد الوقت المناسب لعودة هذه الجامعات إلى مقراتها الأصلية من إدارات الجامعات وفق قدرة كل جامعة ووضع جدول زمني يتم وضع الطلاب في صورته. ولا تنكر سليمان أن هذا القرار كان مفاجئاً للطلاب وتمنت أن يتم استبيان رأيهم في عملية العودة إلى المقرات الدائمة وفي توقيت هذه العودة. وإضافة إلى هذا الرأي لرئيسة مكتب التعليم الخاص في الاتحاد الوطني لطلبة سورية هناك استقصاء قامت به صفحة الاتحاد الوطني لطلبة سورية على الفيسبوك أظهرت نتائجه أن أغلبية الطلاب لا يوافقون على عودة الجامعات الخاصة إلى مقراتها الدائمة في الوقت الحالي وبغية معرفة رأي وزارة التعليم العالي حاولنا جاهدين منذ أسبوعين أخد موعد من وزير التعليم العالي لكن لم نتمكن من ذلك.
ومن خلال كل هذه الآراء والمعطيات يتبين أن هذا القرار جاء في التوقيت غير المناسب. ولا تتوافر الإمكانية لدى اغلب الجامعات المكلفة تنفيذه في الوقت الحالي. وأسر لنا البعض مع طلبه عدم ذكر اسمه أن وزير التعليم العالي لا علم له بالقرار عند صدوره من مجلس الوزراء وهو غير مقتنع بتنفيذه. وبغض النظر عن دقة هذا الكلام من عدمها فإننا نرى أن هذا التباين في المواقف والآراء لن يخدم العملية التعليمة بشيء. وتجاذب المصالح الشخصية في هذا الجانب سينعكس على مصلحة أبنائنا الطلبة. سواء لناحية متابعتهم الدراسية أم لمستوى تحصيلهم العلمي.
أخيراً: لابد أن نسجل أننا من خلال هذا التحقيق الصحفي أردنا أن يكون لــ«الوطن» كما كانت دائماً دور استقصائي في قضية شغلت الشريحة الأهم في المجتمع ومن خلالها عشرات الآلاف من الأهالي في فترة حرجة وأوضاع مادية صعبة على الجميع. لأننا نعرف أنه ليس كل من يسجل في الجامعات الخاصة هم من أبناء الأغنياء. لأن هناك الآلاف من الأهالي اضطروا إلى بيع أراضيهم ومدخراتهم لسنوات طويلة لتوفير الفرصة لأبنائهم لمتابعة تحصيلهم العلمي في فروع يعتقدون أنها ستفتح طريق المستقبل أمام أبنائهم. ولا يجوز بحال من الأحوال أن نستهين بآراء هؤلاء الأهالي ومن خلالهم الطلاب في قرارات مصيرية ربما تؤثر في مستقبلهم. ومن خلال ما توصلنا إليه من معطيات بنيناها على قناعتنا أصبحنا مقتنعين باستحالة تنفيذ القرار بشكل متساو بين الجامعات. لذلك نتمنى أن تبادر الحكومة بشكل عاجل إلى إصدار قرار جريء بإعادة الجامعات التي ترغب في العودة إلى مقراتها شرط أن تتوافر في هذه العودة الظروف المناسبة. حينها فقط نكون قد حققنا العودة الآمنة لطلابنا إلى مقرات جامعاتهم الدائمة بشكل موضوعي.