أزمة الشمال السوري
مازن بلال
ضمن تشتت العملية السياسية فإن سيناريو الحرب في سورية يأخذ اتجاهات جديدة، وتبدو معارك إدلب وجسر الشغور جزءاً من انعكاس مسار خاص يسعى لتأسيس معادلة جديدة، وربما التأثير في العلاقات الإقليمية القادمة في شرق المتوسط، فالصورة الأولية لطبيعة المعارك العسكرية تقدم مؤشرات حول تحالف محور كامل، لكنه لا يعكس سيناريو محدد بالنسبة لكل الدول، وعلى الأخص تركيا والسعودية اللتين تنظران بإستراتيجيتين مختلفتين لطبيعة ما يحدث، ففي الوقت الذي تسعى فيه أنقرة إلى إلغاء سورية كجغرافية فاصلة عن المشرق العربي، تحاول السعودية كسب ورقة إقليمية ضد إيران تحديداً، ودعم تحالفها العربي من خلال تعديل موازين القوى على الأرض السورية.
على الجانب التركي هناك سعي لبناء علاقة اتصال مباشر باتجاه بلاد الشام وشمال إفريقيا، وهو جزء من السيناريو الذي تبحث عنه تركيا بعد تعثر المشاريع مع أوروبا، واحتمالات المواجهة إذا أرادت أنقرة تكريس دور في آسيا الوسطى، فسورية فرضت نفسها كحل يتوافق مع طبيعة تركيا كدولة في حلف الناتو مضطرة لمراعاة حساسيات عسكرية في غربها وشمالها، في حين يمكنها أن تشكل عقدة اتصال من الشرق نحو الغرب بعد تحييد سورية؛ فإزاحتها من خريطة القوة في الشرق الأوسط سيمنح أنقرة دوراً على المستوى الدولي.
أما السعودية فإن مهمتها الأساسية بناء حزام يمنع الدور الإيراني من التمدد باتجاه شرق المتوسط، ومنعها من مزاحمة الدور السعودي في العراق وسورية بالدرجة الأولى، وتعتقد الرياض أنها قادرة على خلق تفاهمات مع تركيا بشأن اقتسام النفوذ، فالتوافق بينهما بشأن معارك الشمال السوري يقدم رؤية سعودية لتلاقي المصالح ضمن مجال محدد، ولكن هذا التوجه يتجاوز المسار التركي القائم على أمرين:
– الأول قدرة التحكم بمسار الأزمات في الشرق الأوسط بشكل يعزز الدور التركي على بوابة أوروبا، فعدم الدخول في الاتحاد الأوروبي سيقابله دور متكامل لا يتأثر عملياً بباقي القوى بما فيها السعودية، فأنقرة لا تبحث عن شريك بل عن تفرد على مستوى بلاد الشام عموما.
– الثاني طبيعة التفاهمات التركية– الإيرانية، وهي ضمن سياق يتجاوز الحالة الإقليمية، فالمسألة بينهما هي ضمان الأمن على الحدود المشتركة التي كانت مصدر حروب بينهما، وهو ما سيدفع أنقرة إلى تعزيز توازن ثنائي اعتمادا على إيران وليس السعودية.
ضمن الصورة القائمة اليوم في الشمال السوري؛ فإن العامل الأساسي سيكون في طبيعة العلاقات الإيرانية القادمة مع المنطقة عموما، فهناك حدود سترسمها طهران مع أنقرة، وتبدو زيارة وزير الدفاع السوري، فهد جاسم الفريج، ضمن التأسيس لهذا المسار، فالمظهر العسكري للمباحثات مؤشر على أن توزيع القوة في المنطقة لا يتوقف على معارك الشمال السوري، فهو يقوم على ما يبدو على بناء جبهة إقليمية تضمن بقاء سورية خارج النموذج الذي تبحث عنه كل من السعودية وتركيا.