سورية

الملف العسكري بات أولوية.. وحلب والرقة والأكراد أبرز الملفات … بوتين وأردوغان يرسمان المستقبل الجيواستراتيجي للشمال السوري

| سامر ضاحي

ينتقل مسرح الأزمة السورية اليوم إلى مدينة اسطنبول التركية التي تستضيف قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان على هامش المؤتمر العالمي للطاقة بعد عودة الدفء إلى علاقات البلدين والتي تكللت بزيارة أردوغان إلى روسيا ولقائه بوتين في التاسع من آب الماضي بعدما قدم اعتذاراً عن إسقاط قواته السوخوي الروسية فوق الأراضي السورية في 24 تشرين الثاني من العام الماضي.
وبدا لافتاً أن أنقرة سعت جاهدة إلى التمهيد لزيارة الرئيس الروسي محاولة خطب وده كهدف قريب وهي تعلم أن الأزمة السورية كانت سبباً أساسياً للخلاف بين البلدين، كما تدرك أن موسكو وقفت إلى جانب أردوغان خلال محاولة الانقلاب الفاشلة ضده في 15 حزيران الماضي على حين تخلى عنه حلفاؤه الغربيون في ليلة الانقلاب الحالكة، لكن أنقرة تدرك في المقابل أن بوتين لن يقدم لها أهدافها البعيدة المتمثلة بترتيبات جيواستراتيجية في الشمال السوري، وأهدافاً أبعد في ترتيبات الحل النهائي للأزمة السورية على طبق من ذهب، في ظل تصاعد الخلاف الروسي الأميركي عقب إخفاق اتفاقهما حول سورية.
ويوم أمس بدأ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الغمز من نافذة تحالف بلاده وموسكو لحل الأزمة السورية، وقال: إن الزيارة ستساهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية القائمة بين الدولتين، وأنها ستشكل خطوة لإعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها وتحسينها بشكل أفضل.
وفيما قال جاويش أوغلو إن بلاده وروسيا عليهما التفكير معاً والعمل على إيجاد حلول لإنهاء الأزمة السورية ووقف الحرب الدائرة فيها منذ قرابة 6 سنوات، لم يغفل إمكانية عدم اتفاق البلدين «في كل المواضيع، إلا أن على الطرفين متابعة الحوار والنقاش من أجل التوصل إلى حلول مشتركة لأزمات المنطقة وخاصة الأزمة السورية».
ويأتي تزامن الزيارة مع تصاعد التوتر الروسي الأميركي حول سورية والذي كان مجلس الأمن الدولي مسرحاً لآخر فصوله أول من أمس حيث أفشل الروس مشروع قرار فرنسي مدعوم أميركياً لوقف إطلاق النار في حلب، قابله تحالف الغرب بإفشال مشروع قرار روسي لوقف إطلاق النار بحلب لا يتضمن وقفاً للطلعات الجوية، عاملاً مشجعاً للأتراك حيث حاول نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش استغلال التوتر ليؤكد أن الفرق بين بلاده والعالم الغربي فيما يخص مكافحة الإرهاب، أن تركيا تسعى لإزالة جميع الأسباب التي تدفع بالأشخاص إلى الالتحاق بالمنظمات الإرهابية، في حين العالم الغربي يعمل على تفادي نتائج العمليات الإرهابية.
وفي تحد واضح للولايات المتحدة اعتبر المسؤول التركي أن النظام العالمي الأحادي القطب بات مصدراً للمشاكل العالمية ومنبعاً للأزمات في العديد من المناطق حول العالم.
وأضاف: إن النظام العالمي القائم وعلى رأسه الأمم المتحدة، أظهر عجزاً واضحاً في إنهاء الحروب وإيجاد حلول مناسبة للمشاكل العالقة وخاصة الأزمة السورية، داعياً في هذا الصدد المجتمع الدولي إلى البحث عن البدائل.
ورغم ما يقال عن الاستدارة التركية إزاء الأزمة السورية إلا أن التطورات الحالية لا تدفع للانجراف في مساحة التفاؤل إذ يبدو أن أنقرة استغلت علاقاتها الجديدة بالروس وأطلقت عملية «درع الفرات» في 24 آب الماضي لدعم الميليشيات المسلحة المحسوبة على نظام أردوغان بهدف طرد الأكراد من الشمال السوري الذين حققوا نجاحات لافته على حساب تنظيم داعش الإرهابي، وذلك بعد أقل من أسبوعين على لقاء سان بطرسبورغ والذي طالب خلاله بوتين أردوغان بتغيير مواقفه من الأزمة السورية، وإن لم يكن لـ«درع الفرات» أن تنطلق دون علم موسكو المسبق بها.
ولم يعد خافياً أن الأولوية الإستراتيجية لتركيا اليوم هي في منع الأكراد من الربط بين ضفتي نهر الفرات، ولذلك فهي أطلقت «درع الفرات» كمسعى لتفادي إنشاء الأكراد شريطا لهم على طول الحدود السورية التركية يربط بين مناطق سيطرتهم شرقا وغرباً، وضمان عدم قيام كيان لهم غرب الفرات باعتبار أن ذلك يهدد وحدة أراضيها.
ومع الموقف التركي المتردد إزاء إطلاق معركة منفردة لطرد داعش من مدينة الرقة السورية ومطالبتها الدول الأخرى ولاسيما التحالف الدولي بالمشاركة، فإنه من المتوقع أن يخصص الزعيمان أردوغان وبوتين زمناً كافياً لبحث هكذا اقتراح لاسيما أن التطورات الأخيرة تشير إلى تقدم في الموقف الروسي لدعم حليفه السوري مع إعلان موسكو نشر صواريخ «إس 300» فوق الأراضي السورية وبالتالي باتت موسكو تتحكم بالأجواء السورية وهي قادرة على منع أي طائرة من التحليق فوق سورية، ومن غير المستبعد أن يكون الحديث اليوم عن إطلاق يد تركيا في الشمال السوري على أن تكبح أنقرة جماح حلفائها من الميليشيات المسلحة في حلب، وصولاً إلى الموافقة على مبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لإخلاء حلب من جبهة فتح الشام الإرهابية (النصرة سابقاً) لكن بشروط روسية معدلة على مبادرة دي ميستورا.
إذا سيكون للجانب العسكري أولوية على الحديث عن المفاوضات السياسية في ظل عدم احتمال أي أفق لعودة الحوار السوري السوري في جنيف في القريب العاجل، وعودة النظام التركي إلى التشدد بموقفه من ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد قبل انطلاق المرحلة الانتقالية. وقد ينجح بوتين بتليين الموقف التركي من هذا الأمر إضافة إلى الحصول على جدول زمني لانسحاب تركي من الشمال السوري مرهون بتقديم ضمانات روسية على منع قيام أي فيدرالية في تلك المنطقة تعطي زخماً لدور كردي متصاعد في المستقبل ولاسيما أن أنقرة تصر على اعتبار وحدات حماية الشعب ذات الأغلبية الكردية والتي تعتبر عماد ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية» منظمة إرهابية وكذلك حزب الاتحاد الديمقراطي.
وتأتي الأنباء المتزايدة عن استعدادات «الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن لإطلاق معركة الرقة لتصب الزيت على نار العلاقات التركية الأميركية، إذ يلقى كل دعم أميركي للأكراد سخطاً متزايداً من أنقرة.
وبانتظار ما قد يؤول إليه لقاء اليوم فإن ثمة تفاؤلاً محفوفاً بالحذر كون روسيا هي أبرز الداعمين للحكومة السورية على حين أن أردوغان يعتبر عراب الميليشيات المسلحة في سورية، وأي لقاء من هذا القبيل من شأنه أن يساهم في الحل النهائي دون إغفال أن مصالح الدولتين قد تطغى على المصالح السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن