ثقافة وفن

صخور بشريّة..

| د. اسكندر لوقا 

حين كتب الأديب والمفكر والناشط السياسي الفرنسي أندريه مالرو «1901-1976» عن المغول، وصفهم بالصخور البشرية. وأضاف: إن هذه الصخور بدت وكأنها تتدحرج من آخر الدهر.
وفي بعض القصص التي تأتي على ذكر المغول وحروبهم ضد من يحلو لهم أن يخضعوه لإرادتهم، تتحدث عن الدم الذي كان يظهر في الهواء بعد مرور جحافل قوات جنكيز خان وتيمورلنك وهولاكو بسنوات لا بأشهر.
على هذا النحو تتحدث مساحات شاسعة من أرض وطننا عن مغول العصر، داعش والنصرة وبقية الفصائل التي تحاول أن يكون لها قصب السبق في كتابة قصص الغد، في سجلات تاريخ المنطقة عموماً وسورية خصوصاً بالدم الأحمر.
ومعروف أن الشعوب التي لا ترضى بالخضوع لإرادة المحتل أو الغازي، لا يمكن أن تطوي حضورها في التاريخ كسحابة عابرة في سمائها، ومن هنا كانت هزيمة المغول في نهاية المطاف، وكان انتصار الشعوب التي ذاقت الويلات منهم، على نحو انتصار العرب على محتلي أراضيهم من مشرق الوطن العربي إلى مغربه، في أوقات سابقة عثمانياً كان المحتل أم إيطالياً أم فرنسياً أم بريطانياً.
لقد كتبت شعوب هذه المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج، ديمومتها بدماء شهدائها الذين رحلوا عنها وبقيت أرواحهم تجوب سماءها مع كل دفقة ضوء من النهار، تحكي قصة مقاومة، وتروي حكاية شهيد بطل من أبناء الوطن والأمة.
مع هزيمة المغول، يستخلص أحدنا أن الاحتلال لا يمكن أن يكون له مستقر على امتداد الأزمنة، وفي صفحات التاريخ شواهد لا تمحى عن انتصار الحق وهزيمة الباطل، سواء في بلادنا العربية التي عانت طويلاً من تبعات الاستعمار بكل أشكاله أو في بلاد أخرى على مساحة الكرة الأرضية، على غرار قتل الهنود واستغلال الزنوج وتهديد أعراق بعينها بالقتل والتهجير والإبادة وسوى ذلك. ومع هذا كان النصر، في نهاية المطاف للبشرية المؤمنة بحق الإنسان في الحياة وقدرته على تخطي المآسي بكل أنواعها.
كذلك هو التاريخ الذي يسطر بالدم الأحمر اليوم تاريخ «الصخور البشرية» التي تنهار على أراضينا من كل حدب وصوب، ولا يقيمون وزناً، أي وزن، لكرامة الإنسان وحقه في الحياة وحرصه على تاريخ بلده وحضارتها بأي معيار له علاقة بالإنسان. إنها الهمجية والوحشية بكل معانيها، هذه الهجمة التي تعيشها المنطقة وسورية تحديداً كأن البعض من البشر في أيامنا هذه قد فقد بصيرته لا بصره فحسب.
يقول الفيلسوف والمؤرخ البلجيكي جورج سارتون «1884 – 1956» يفقد الإنسان مقدرته على التمييز بين القيمة العليا ونقيضها بقدر ما يصيب المرض بصيرته وليس بصره فقط.
ترى كم من قادة وزعماء في الغرب وفيما وراء البحار فقدوا البصيرة والبصر معاً وباتوا صخوراً بشرية في الزمن الراهن؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن