قضايا وآراء

لابد من كسر عنق الزجاجة!!

د . بسام أبو عبد الله

 

لا يمر يوم من أيام العدوان المستمر على سورية منذ أربع سنوات إلا وتتزايد معه الأسئلة المعقدة المطروحة من الرأي العام السوري تارة تجاه موقف الحلفاء، وتارة تجاه واقع داخلي يزيد من وطأة الألم، وأحياناً قوة الظروف التي يمر بها شعبنا العظيم، وجيشه البطل، وقائده الاستثنائي..
بداية لابد أن نكون واضحين مع شعبنا، وشفافين في الإجابة عن أسئلته، مهما صعبت، ومهما كانت مباشرة، لأن هذا الشعب هو من يدفع من دماء أبنائه من أجل بقاء سورية قوية، عزيزة، كريمة، ومستقلة، ولأن هذا الشعب هو من يتحمل قساوة الظروف الاقتصادية، وضراوة الحصار الذي يمارسه أعداؤه ضده، ولأنه هو من يؤمن أيضاً بأن العدوان فُرض عليه، ولم يختر هو هذه المعركة القاسية، بأنها معركة وجود، أو لا وجود، ولهذا مستمر بتقديم الشهداء فداء لهذا الوطن، واستقلاله، وبقائه.
ولأن الأمر كذلك فيجب أن يرتقي أداء البعض إلى مستوى تضحياته إذ ليس مقبولاً أن نجد أي مسؤول في الدولة، أو أي موقع آخر في حالة استرخاء، وكأنه في بلد قرب سويسرا، أو كأننا بحاجة دائمة لتذكيره أن بلدنا يتعرض لعدوان، وأن البلد يعيش حالة حرب، وفي حالة الحرب الكل يجب أن يكون بمستوى الجيش، والعسكر، وتضحياتهم، أي أن يتحول الجميع إلى ورش عمل تخطط، وتفكر في السيناريوهات الأسوأ، وليس الأفضل لأنه إذا تمكنا من التعاطي مع الأسوأ فإننا بالتأكيد قادرون على التعاطي مع الأفضل، ومن هنا فإن ما هو مطلوب ليس أمراً ملقى على عاتق جيشنا البطل وحده، ويجب ألا نكتفي بالدعاء له بالانتصار، بل إن قيام كل مسؤول في الخدمات، والتجارة، والصناعة، والإعلام، والاقتصاد والمالية، وحتى المسرح، والرسم، والفن بما هو أكثر من واجبه هو أمر غاية في الأهمية، لا بل يمكن القول إن التقصير هنا أمر غير مبرر، ويصل كما هو الأمر في حالة الحرب إلى درجة (الخيانة العظمى).. إذ لا مجال هنا لإيجاد المبررات، بل لابد من اجتراح الحلول الإبداعية، وغير التقليدية لمواجهة المشاكل، والتحديات التي تتراكم يومياً، ويسعى أعداؤنا من خلالها إلى إضعاف روحنا المعنوية، وكسر إرادتنا كي نُهزم هزيمة افتراضية، ونشعر بالشعور الذي انتاب البعض منا مع بدء الأحداث في سورية عام 2011..
نحن أيها السادة: دخلنا في السنة الخامسة من حرب عدوانية على بلدنا ومقدراتنا، ولم يعد يخفَى على أحد طبيعة هذا العدوان وأهدافه، وتحالفاته المعلنة فالحلف تركي- سعودي- إسرائيلي مع ملحق قطري أردني، تقوده الولايات المتحدة الأميركية بدعم فرنسي- بريطاني، وهذا الحلف يعمل حالياً بكل قواه لتغيير الواقع على الأرض السورية بشكل دراماتيكي، وهذا ما حصل في إدلب، وجسر الشغور، وريف حماة الغربي، وهي محاولة خطيرة تستهدف فصل حلب عن اللاذقية وتهديد طرق الإمداد، وبناء حرب نفسية- إعلامية تؤدي إلى انهيارات معنوية في صفوف الجيش والقوات المسلحة، والشعب السوري كما يعتقدون ويخططون، ويرسمون..!
ضمن هذا الإطار لابد لنا قبل الحديث عن موقف الحلفاء، من الإقرار بأن هناك أشياء كثيرة مطلوبة منا في هذه المعركة القاسية:
1- التأكيد أن معركتنا عادلة، ومحقة، ونحن نتعرض لعدوان شرس مركب تشنه واجهات تكفيرية- مجرمة اسمها (داعش، النصرة أو غيرها) نيابة عن إسرائيل، وحلف الناتو بهدف محو سورية التاريخ والحضارة والدور، وسورية العزة، والاستقلال..
2- التأكد أن في مثل هذه المعارك الكبرى كراً- وفراً، وهناك ظروف لكل معركة علينا قراءتها بدقة، وعناية، وفهم أبعادها، وآثارها وليس التعاطي معها على أنها نهاية الحرب، والانجرار خلف حرب نفسية قاسية تُخاض علينا، وحرب شائعات نجترها أحياناً من دون أن نعي، ونفهم، وندرك أبعادها، وهنا لابد من الحذر من الطابور الخامس، ودوره المشبوه..
3- يجب ألا تتزعزع ثقتنا، ولو للحظة واحدة بإرادة جيشنا البطل، وتصميمه على هزيمة الإرهاب، ومن يقف خلفه، ولكن في الوقت نفسه لا يجوز لنا أن نكتفي بالدعاء له بالانتصار بل لابد لكل منا من أن يتخلى في هذه اللحظات عن أنانيته، ولا مبالاته، واستنهاض كل طاقات المجتمع من أجل دعم هذا الجيش بكل ما أوتينا من قوة.
4- لابد أن يترافق ذلك مع استنفار كامل لكل أجهزة الدولة الخدمية، والاقتصادية والصناعية، والتجارية، والإعلامية، والسياسية، وإعلان الطلاق المبين مع حالات التعاطي التقليدية، أو العادية.. ففي زمن الحروب لا يمكن للأداء العادي أن يكون مقبولاً، ولا يمكن للتعاطي النمطي أن يكون مساعداً فالمطلوب أكثر من ذلك بكثير.
5- ما يزال البعض حتى الآن يتعاطى مع الأمور وكأن سورية لا تتعرض لعدوان، ولهذا لابد من تغيير شامل في نمط التعاطي بحيث يتحول إلى حالة استنفار عامة في كل المجالات كما هو حال التعاطي في الجيش والقوات المسلحة.
إن مجمل النقاط التي أشرت إليها سابقاً يجب أن تشكل أساساً للانطلاق في التصدي لهذا العدوان، والتعامل مع كل السيناريوهات بشكل مباشر وسريع، وخاصة الحرب النفسية، والإعلامية، والانتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، والإمكانات بتقديري موجودة، ومتاحة، وعلينا أيضاً وضع كل ثقلنا للحد من حالات الفساد، والهدر- فاللصوص عادة هم أول المنهزمين في الحرب، والمنافقون سيلحقون بهؤلاء بشكل أسرع ولهذا نحن بحاجة ماسة لكسر عنق الزجاجة الآن وإخراج كامل طاقاتنا والقول بصراحة، ووضوح لمن تعب، وترهل، وضعفَ في أي موقع كان- أنه لا مجال لتبويس اللحى هنا، ولا للمجاملة، فالوطن فوق الجميع، وطاقات شعبه كبيرة، وتضحياته عظيمة، وليس بالإمكان إضاعة مسار الصمود الأسطوري لسورية طوال أربع سنوات على طريق المجاملات، وعدم الشفافية والوضوح.
أيها السادة: اكسروا عنق الزجاجة- وسورية منتصرة قطعاً- ولا شك لدينا بذلك، ولنطلق طاقاتنا وإمكاناتنا في معركة الوجود والبقاء، والدفاع عن أرضنا وشعبنا ومستقبل أبنائنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن