اقتصاد

عقم مستفحل

| علي هاشم

خلال الأسبوعين الماضيين، حظي رئيس مجلس الوزراء بإجابتين -سابقة ولاحقة- عن تساؤلاته في اجتماع التصدير «النوعي» نهاية الشهر الماضي حول «معوقات العملية التصديرية المتفاقمة رغم توافر الكيانات المؤسسية وفوائض سلعية، كالحمضيات».
في ذاك الاجتماع، تناوب عدد من مسؤولينا على دفق إجاباتهم المغلّفة بأفكار حول ضرورة «دراسة الأسواق الهدف»، ووضع «إستراتيجية للتصدير» والترويج لـ«ثقافته» وتحديد «أولوياته» وتشريح اتفاقيات التجارة وتوظيفها لاختراق الأسواق و«معالجة الخلل التصديري» و«مرجعيته»، لا بل ذهب أحدهم إلى ضرورة «استجواب اتحاد المصدرين ماليا» بسبب تراجع التصدير.
ورغم ما شهده ذلك الاجتماع «النوعي» من آراء «لطيفة»، فإن الإجابة عن تساؤلات رئيس المجلس كانت قد أدليت قبله بيومين على لسان مدير «قرية الصادرات» وكرر فيها الرجل شكواه المزمنة من معضلة «تحويل الأموال» التي تنتصب سدا منيعا نحت من تكاسل المصرف المركزي عن ابتداع «غرفة مصرفية في موسكو ولو على حساب القرية»، لتذليل معوقات تحويل أثمان «حمضياتنا» من دولة صديقة متساهلة في إجراءاتها المالية، كروسيا.
للمصادفة المحضة، وتزامناً مع تأكيدات وزير اقتصادنا أثناء اجتماع سوري إيراني عقد قبل أيام، بأن «غياب المعابر البرية يعد العائق الأكبر» أمام الانسياب البيني للسلع، فقد ذهب محافظ مدينة «خراسان» إلى تثقيل ما قاله مدير قرية صادراتنا، مطالبا بـ«نظام لتسديد المدفوعات على غرار ما كان يعمل به بين سورية والاتحاد السوفييتي» وتأسيس «مصرف مشترك» للالتفاف على أبرز عوائق التجارة البينية.
في الواقع، وزيادة على كوميديا دراية المسؤولين الإيرانيين بمشكلة صادراتنا من جهة، ونرجسية المعرفة الحكومية التي تجلّت بعدم دعوة المعنيين إلى اجتماع التصدير «النوعي» من الأخرى، فثمة تساؤل مقابل لتساؤلات رئيس المجلس، وخلاصته:
لماذا تنتفض الهمّة الحكومية لإعادة هيكلة تمويل المستوردات «لكن» مع المحافظة على تدفقها ضمن قنوات غير رسمية، بالتزامن مع إصرارها على العجز عن سماع أنين التبادلات المالية للصادرات؟!
لربما الإجابة تتمحور حول -مجرد- رد فعل فرويدي يجسد هوساً استهلاكياً حكومياً موروثاً عن سابقتها، وليس بالضرورة أن تكون انصياعاً «محبباً» مع رغبات مراكز الثقل في الأسواق وجموحهم نحو استمرار السيطرة لتعظيم هوامش الربح، في ظل عطالة المؤسسة النقدية الوطنية عن مراقبة التمويل عبر الحدود!
بالتأكيد، لا أحد يطالب الحكومة بموقف «انتحاري» أمام مراكز ثقل الأسواق، إلا أنه يجب عليها التيقن من استمرار قنوات التمويل بعيدة عن بصرها، ليس من دون كلفة اجتماعية جوهرية، وأن بقاء حبل قنوات التمويل التجاري معلقاً على غارب رغبات الربح الجامحة للتجار، يترجم أكلافاً مضافة تنجم عن زيادة المقاطع التي تمر عبرها المدفوعات ذهابا وإيابا، وهذه لا تلبث أن تنقلب مشكلة للمستهلكين بسبب زيادة في أسعار المستوردات داخل أسواقنا الداخلية من جهة، وأخرى تصيب المنتجين في مقتل بسبب تقليص تنافسية صادراتهم في وجهاتها، من جهة ثانية.
وفي عودٍ لاجتماع التصدير، وما تلاه من اجتماعات لتعظيم الإنتاج.. فما لم نرغب في التصدي لعقم مصارفنا عن ابتداع حلول للنهوض بالإنتاج، فأقلّه، لا مناص من الإصغاء للمقترح الإيراني ولمدير قرية صادراتنا، إن نحن رغبنا بإبقاء مشاكلنا الاجتماعية في حدودها الحالية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن