من دفتر الوطن

الحاشية وحواشيها!!

| عبد الفتاح العوض

يتحدث د. فؤاد زكريا عن أسطورتين عربيتين..
الأولى القائد الذي لا يعلم…
والثانية القائد الذي لا يقدر.
في الأولى تتحدث عن الحاشية التي لا توصل إلى القائد ما ينبغي أن يعرفه من أحوال الناس.
وفي الثانية تتحدث عن الحاشية التي تمنع القائد من فعل الصواب لأنها أقوى من قدرته على فعل الصواب.
وفي الأدب السياسي بشكل عام يكون الحديث دوماً عن تأثير الحاشية التي تمثل «خاصة المسؤول» ومن حوله.
وفي الأدبيات الإسلامية يستخدم تعبير «البطانة» وفي الأدعية المأثورة دعاء للبطانة الصالحة التي تحضّ على الخير وتدل عليه. البطانة: الدخلاء، جمع دخيل، وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته، ويفضي إليه بسره، ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته، ويعمل بمقتضاه. ويقال البطانة: الصاحب، وهو الذي يُعرّفه الرجل أسراره ويعرف «باطنه» ثقة به، شبهه ببطانة الثوب.
وما زال تأثير الحاشية موجوداً في كل زمان ومكان، ولا أحد يستطيع أن يجادل في مدى تأثير من حول المسؤول عليه وعلى الأقل على رؤيته للأمور ومدى قدرتهم جعل عينيه لا ترى إلا ما تراه عيونهم.
ويظهر هذا جلياً في المستوى الأعلى من المسؤولين إذ عادة ما تكون الحاشية في هذه الحالة بعدد محدود وهم يشكلون دائرة مغلقة وغالباً لا يتم تغييرهم بسهولة لهذا يعيشون مع المسؤول فترة طويلة ومن خلال المعاشرة الطويلة يتمكنون من معرفة ما يؤثر فيه وما يغضبه وما يؤلمه وما يفرحه وبالتالي يستطيعون التأثير فيه من خلال المعرفة.
ولأنهم يشكلون دائرة ضيقة فإنهم لا يسمحون للآخرين بدخولها وخلخلة أركانها.
على المستوى الأدنى فإن الحاشية للمسؤولين الأقل شأناً لا يمتلكون ميزة «الاحتكار» لهذا يكون المسؤول أكثر قدرة على المعرفة من المسؤول الأعلى، لكن في عالم يتم فيه التواطؤ غير المعلن أو دعنا نسمه التواطؤ الصامت، يجري العمل على عدم تحريك المياه الراكدة وجعل الأمور على ما هي عليه لأن هذه «الحاشية وحواشيها» صاحبة المصلحة في بقاء الأمور على ما هي عليه.
ما يحدث هنا أنه مع استمرار المياه الراكدة تكثر الأخطاء والأوساخ وتتراكم حتى تؤدي بالنتيجة إلى مرحلة يصعب فيها الإصلاح أو يكون إصلاح الأمور مكلفاً وصعباً.
الآن أسطورة القائد الذي لا يعرف أصبحت بحد ذاتها أسطورة.. لأنها انتهت تماماً ولم تعد قابلة للحياة.
فأدوات الإعلام والتواصل الاجتماعي لا يمكن أن تعطي حجة أو مبرر أن المسؤول «لا يعرف»..
فهذا أمر غير ممكن في ثورة المعلومات التي تحصل مع مستوى تحول أي حدث إلى خبر عاجل ومعلومة يتم تداولها بشكل جماعي.
اختيار من يعمل معك وحولك هي مسؤولية خاصة لأن كثيراً من الأشياء ترتبط بنوعيتهم وسلوكهم وأخلاقهم…
مشكلة الحاشية جزء من ثقافة مجتمع لكن المشكلة الأعقد… هي حواشي الحاشية… هنا لا فائدة من الكلام.

كلام مقدس:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ». قرآن كريم
«مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إلا لَهُ بِطَانَتَانِ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ». حديث شريف

مغزى
دخلت امرأة عجوز على أمير تشكو إليه جنوده الذين سرقوا لها ماشيتها بينما كانت نائمة. فقال لها الأمير كان عليك أن تسهري على مواشيك ولا تنامي. فأجابت العجوز: ظننتك ساهراً علينا يا مولاي فنمت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن