ثقافة وفن

الموسيقا هي الحياة.. بل هي الروح … شادية دعبول لـ «الوطن»: أحب النحت لأنه قريب مني ويلامسني أكثر من الريشة والألوان

| سوسن صيداوي – ت: طارق السعدوني

يقول إحسان عبد القدوس عن الموسيقا «الموسيقا الهادئة تساعدك على التفكير في مشكلة.. والموسيقا الصاخبة تساعدك على الهرب من مشكلة»، وحول الموسيقا يضيف واسيني الأعرج «الموسيقا يا صاحبي خيط من النور، إما أن نلمسه بعمق فيعمّق إنسانيتنا، وإما أن نمر بجانبه بغباء فنتحمل الظلمة التي يورثها بعد ذلك». وفي هذا الوقت المر الذي نعيشه في الواقع السوري الذي اكتسبته الأزمة طواعية، هناك النور والظلمة بين جنبات ما نعيشه من حياة، وهناك المشاكل والهروب منها بعد الانهزام لعدم حلها وربما يكون ناتجا عما نريد أو نقرر بأننا سنعيشه أو نرفضه، وهناك صخب الحياة بكل ما فيها، وفي ظل كل هذا التمازج بين المشاعر أو الأفكار الإيجابية والسلبية تنادي الفنانة التشكيلية شادية دعبول «الموسيقا هي الحياة.. لا بل هي الروح»، وذلك من خلال معرضها الفردي الأول الذي أقامته في صالة «الآرت هاوس» في المزة، متضمنا المعرض أربع عشرة منحوتة متفاوتة الحجم بين المتوسطة والصغيرة، ونفّذتها من مادة البرونز المعدنية معتمدة في تجسيدها على عدة أساليب مدرسية تنوعت بين الواقعية التعبيرية في منحوتات وبين الأسلوب التجريدي في منحوتات أخرى.

النحت أعمق
هناك الكثير من الأشخاص الذين يلهثون نحو الظهور والتميّز وكي يصلوا إلى غايتهم، تراهم يسيرون في الدروب الممهدة، دون أن يبذلوا جهدا في تجاوز الوعورة أو الحُفر، في أماكن أخرى تجد فئة تبتعد عن الاستسهال في إثبات الذات وتختار الصعب كي تكون حاضرة ومتفردة فيما تقدمه، وهذا ما نلامسه مع الفنانة التشكيلية شادية دعبول التي اختارت النحت فنا تتبعه، باعتباره بالنسبة لها، ممتعا رغم ما يتطلبه من قدرة جسدية وطاقة عالية حتى في الفكر أو الخيال كي تصل إلى الفكرة المطلوب تجسيدها. شادية دعبول: اخترت النحت لأنني أحبه فهو قريب مني ويلامسني أكثر من اللوحة والريشة والألوان وخاصة عندما تكون المادة المطلوب نحتها بين يدي، فشعوري وأفكاري مثلا وأنا أعمل على مادة طينية مغاير تماما لما أشعر به والريشة بين أصابعي، وصحيح أن النحت أصعب ويحتاج إلى طاقة جسدية عالية إلا أنني أجد فيه متعة لأنه يحتاج إلى خيال واسع جداً وحاضر دائما، وخاصة أن العمل خلاله يكون على كل جهات المنحوتة، ما يتطلب الصعوبة والدقة وفي الوقت نفسه المتعة في منافسة الذات للوصول إلى ما هو مطلوب تجسيده في المنحوتة».
دفء معدن البرونز

اشتمل المعرض على أربع عشرة منحوتة، مصنوعة من معدن البرونز الذي يجد فيه البعض دفئا يبعث في النفس الراحة والاسترخاء عند النظر إلى بريقه، الفنانة شادية: في الوقت الحالي وجدت أن مادة البرونز المعدنية تخدم فكرتي بالشكل الصحيح أكثر من أي مواد أخرى، على الرغم من أنني حاولت مع المواد الأخرى، لكنها لم تمكنّي من الوصول إلى النتيجة التي أريدها في الأعمال، وكانت النتيجة جامدة وشعرت بأنها بلا روح أو عاطفة، بمعنى أنني لم أصل معها للأفكار التي كنت أريدها، في حين البرونز هو أكثر مادة في الوقت الحالي خدمت فكرتي وكان الأقرب لأفكاري ووجدت فيه دفئاً أكثر من الحديد، كما أن اللون البرونزي يريح الأعصاب ويمنح شعورا بالدفء».
الأسلوب.. فن

المدارس متعددة ولكل منها أسلوبه، وكذلك الأمر بالنسبة للفنانين فلكل منهم أسلوبه المميِّز لبصمته والتي يرسخها من خلال تجاربه وخبراته المكتسبة عبر مسيرته، إضافة إلى ما يصادفه من مشاعر وأحاسيس وأفكار، وما بين المرونة بالأسلوب وبالتغيير وبالتجديد، تتنوع أعمال الفنانين المقدّمة، وهذا ما تتبعه الفنانة التشكيلية الشابة دعبول في أسلوبها الفني: «أنا أعمل كثيراً كي أصل إلى المستوى الذي أريده، فأسلوبي الفني الذي اتبّعه الآن مختلف تماما عن الأسلوب الذي اتبعته في مشروع تخرجي من كلية الفنون الجميلة، فالأعمال مختلفة، والأسلوب اختلف، وحتى في الكلية تأثرنا كطلاب بالأراء الأكاديمية، ولكن اليوم التجربة الشخصية تبقى هي الرهان والتي يجب علينا أن نكسبه من خلال خلاصتها، وهي التي تحدد ما هو قريب من الفنان وما الذي يريده من أفكار، فعليه أن يجرب كثيراً حتى يصل إلى مبتغاه، وأنا اليوم وبعد تخرجي بعشر سنين وصلت إلى معرض فردي والأعمال المقدمة هي التي تحدد الأسلوب، فهذا أمر يأتي بشكل تلقائي ويتطور بشكل طبيعي، فمن المستحيل أن تكون النتيجة التي وصلت إليها اليوم هي نفسها بعد سنة، وخاصة عندما يكون هناك مجهود مبذول أو متابعة، ما سيخلق تطوراً في الأعمال».

الموسيقا هي الحياة.. بل هي الروح
أول معرض فردي للفنانة التشكيلية شادية دعبول كان متناغما موسيقيا في منحوتاته التي تتكلم عن الموسيقا وخاصة الآلات الوترية، فهي اللغة التي يفهمها الكل ويشعر بها الكل وكما قالت الفنانة الموسيقا رسالة الحياة والروح «أنا أعشق الموسيقا ولا أستطيع العمل أو التفكير إذا لم أصغ للموسيقا، وهذا أمر طبيعي وخاصة أن الموسيقا، وليس فقط بالنسبة لي بل أظن لكل الناس، فهي موجودة في كل تفاصيل حياتنا سواء في الفرح أو الحزن، كما أن الموسيقا تساهم في ثقافتنا وخصوصاً في ظل الأزمة حيث انتشر العنف والدم، فكلّنا تأثرنا بالبيئة وبالأزمة، وهذا واضح في أعمالي حيث جسدت الحالة التي نعيشها وبانعكاساتها، فمثلا بعض الأعمال تجسد الصراع النفسي الذي يعيشه المرء عندما يفقد أشخاصاً كانوا في حياته، ليس من خلال الفقد بالموت فقط، بل بالسفر أو بالبعد وبالفراق، ورغم كل شيء هؤلاء الأشخاص، والأمر خارج عن إرادتنا، لكنهم لازالوا في حياتنا، إضافة إلى أنني عملت في المنحوتات على تجسيد الفراغ الذي يعيشه الأشخاص والمعاناة وكما صورت المحاولات للخروج من الوضع الصعب من خلال الموسيقا سواء من حيث الإصغاء أو الرقص أو حتى العزف، كما أن الرأس مرفوع نحو السماء في بعض الأعمال، لتأكيد ضرورة بقاء الإيمان في القلوب، من أجل تجاوز المحن والصعب وتجاوز الركود والإحباط للخروج نحو الحرية والحياة، فالأزمة حاضرة في الأعمال، لكن الفكرة هي أن الموسيقا حاضرة في حياتهم كي تؤكد ضرورة العيش، رغم الإعاقات الجسدية والنفسية والفكرية الناتجة عن الواقع الذي فُرض على الجميع».

أحجام صغيرة غير مكلفة
قلّة المواد التي يحتاجها الفنانون التشكيليون وغلاء أسعارها جعل الكثير من الفنانين يتوجهون لاختيار الأعمال المتوسطة الحجم أو الصغيرة لتجسيد أفكارهم وهو وضع من الأوضاع التي فرضتها الأزمة، وهذا حال الفنانة ومعاناتها في ارتفاع التكلفة والتي تمنعها من القيام بأعمال كبيرة الحجم»أنا أهتم بالدرجة الأولى بالفكرة ومن خلالها انطلق، ولكن عندما يكون حجم العمل كبيراً، فذلك يتطلب مني كلفة عالية، واليوم في هذا المعرض الوضع الاقتصادي والمادي فرض نفسه علي، لهذا عملت حسب الإمكانات المناسبة لي، وكانت الأعمال بأحجام صغيرة وكبيرة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن